للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء)

قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٢٩].

ضرب الله مثلاً للكافر والمؤمن عبداً مملوكاً، واحداً تملكه جماعة: ((شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ) أي: متنازعون ومختلفون، فيهم شكاسة وشراسة في أخلاقهم.

فهذا العبد يأتي إليه السادة المشتركون في ملكيته، فهذا يأمره بالشيء فيأتي الثاني فينهاه عن ذلك الشيء، وهذا يأمره بما يخفف عنه، وذاك يأمره بما يزيده عذاباً أو محنة وبما لا يطيق، فهو في عذاب أليم بين هؤلاء السادة المشتركين في ملكيته.

قوله: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا)) رجلاً: منصوب على أنه تفسير لمثل، وقيل: منصوب بنزع الخافض، أي: ضرب الله مثلاً في رجل والمعنى واحد.

قال تعالى: ((وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)) أي: وآخر لا يملكه إلا رجل واحد، وهو مسالم له، لا يحمله فوق طاقته، ولا يأمره بما يخالف أمره، ولا يأمره بما يناقض فهو مستريح معه.

فالعبد الذي يملكه شركاء مشتركون هو المشرك الذي عبد أصناماً مختلفة من جن أو إنس أو جماد، فهو في محنة دائمة.

ومثل الرجل الذي لا يملكه إلا شخص واحد العبد الموحد الذي عَبَّد نفسه لله الواحد، فهو يعيش ويحيا في سلامة وأمان، إذ لم يحملنا ربنا ما لا نطيق، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨] جل جلاله وعلا مقامه.

حتى هؤلاء الشركاء غير متفقين، بل فيهم شكاسة وشراسة وسوء خلق، إذْ يأمرونه ويعذبونه بما لا يتفقون عليه.

أما الآخر كما قال تعالى: ((وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ)) أي: مسالماً وموافقاً ومهادناً لا يحمله ما لا يطيق.

قال تعالى: ((هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا)) هل يتساوى هذا وهذا في المثل؟ هل يشبه هذا هذا، فقوله: (مثلاً) أي: تشبيهاً.

هل يستويان؟ استفهام تقريري،

و

الجواب

هيهات أن يستويا، وهيهات أن يكونا في رتبة واحدة.

إذاً (الحمد لله)، أي: يحمد المؤمن الله، فقد علمنا الله أن نحمده على أن كان هو المالك لنا والمعبود لنا وحده، ونحن معه في دنيانا وأخرانا، ففي دنيانا لم يحملنا ما لا نطيق، لم يعسر علينا أعمالنا وعبادتنا، ويوم القيامة يجازينا بالكثير على القليل رحمةً منه جل جلاله وتنفيذاً لوعده الكريم للمؤمنين المتقين.

قال تعالى: ((بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)) أي: بل أكثر هؤلاء، والأكثر هنا أي: ممن مات على هذا.