للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (النار يعرضون عليها غدواً وعشياً)

ثم قال تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦].

بعد أن قال الله: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر:٤٥] ورد

السؤال

ما هو سوء العذاب؟ فبينه الله تعالى بقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦] أي: وهم في مقابرهم يعرضون على النار صباحاً وعشياً، وهذه الآية تشير إلى عذاب القبر، والإيمان به عقيدة من عقائد أهل السنة والجماعة.

وعذاب القبر حق، ففي صحيحي البخاري ومسلم والكتب الستة ومسند أحمد وغيرها مرفوعاً: (عذاب القبر حق، استعيذوا بالله من عذاب القبر) وورد ذلك عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، وعن جماعة من الصحابة، وعذاب القبر حق وردت به الأحاديث المتواترة، وقبل ذلك الآيات الواضحة.

وقوله تعالى: {غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:٤٦] أي: صباحاً ومساءً، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] معناه: أنهم يعرضون في دار الدنيا على العذاب، فيعرضون عليه في قبورهم.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (إن الميت عندما يموت إما أن يكون من أهل الجنة وإما أن يكون من أهل النار، فيرى مقعده وهو على ذلك إلى يوم القيامة) وذلك عذابه، فيعذب الكافر وهو في القبر فيعرض عليه مقعده من النار، وعندما يعرض عليها يشوي وجهه وجلده، ويعذب نفسياً وروحياً.

وهو يوم القيامة عند عرضه على الله يقول الله لملائكته: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] أي: أدخلوهم في النار وإلى أشد عذاب النار، ومعنى ذلك: أن النار دركات، فالمنافقون في الدرك الأسفل منها، والبعض يكون أخف حالاً من الآخر، وقد ورد أن من أحسن من الكفار في الدنيا فإنه يخفف عنه العذاب.

وقد جاء في صحيح البخاري: أن أبا لهب -وهو عم النبي عليه الصلاة والسلام، وكان من ألد أعداء الإسلام- لما قام النبي عليه الصلاة والسلام يدعو إلى الله بالأسواق والقرى والمدائن أو المدن كان يلحقه ويقول للناس: لا تصدقوه إنه كذاب وأنا أعلم به، فينصرفون عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهلك -أي: أبو لهب - إلى النار، وأنزلت فيه آيات بقيت فيه لعنة وفي زوجته إلى يوم القيامة، وهي قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:١].

ومع ذلك ورد في صحيح البخاري: أن العباس أخاه -عم النبي صلى الله عليه وسلم- رآه في المنام فقال له: يا أبا لهب ما حالك؟ كيف أنت بعدنا؟ قال: ما لقيت إلا شراً، إلا ما كان من يوم الإثنين فإني أسقى في هذه النقرة -يعني: نقرة إبهامية- لعتقي ثويبة، وذلك عندما بشرته بولادة محمد ابن أخيه عبد الله.

فـ أبو لهب يخبر أخاه وهو في دار الآخرة حيث لا كذب ولا مين ولا نفاق، أنه كل يوم إثنين يسقى في هذه النقرة؛ لأنه أعتق ثويبة، وهي جارية جاءت إليه وقالت: يا سيدي! إن أخاك عبد الله ولد له ولد فسماه محمداً، فقال: اذهبي فأنت حرة.

فحفظ الله له ذلك، فكان العذاب وهو في النار يخفف عنه يوم الإثنين، في ذلك الوقت التي جاءته ثويبة تبشره بولادة محمد صلى الله عليه وسلم وأعتقها فيه، رغم كونه كفر به، وحض الناس على الكفر به.

وورد عن غيره من أقارب النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً كان ينافح عنك وكان وكان، أنافعه ذلك يوم القيامة؟ قال: (نعم، لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار، وهو الآن في ضحضاح من النار، له نعلان من النار يغلي منهما دماغه).

وعلى ذلك فالعذاب لآل فرعون لكونه لم يكفر فقط، بل زاد على الكفر أن ادعى شيئاً عظيماً فقال: أنا ربكم الأعلى، وكان بذلك أخرق أرعن أحمق، وبذلك استحق هذا العذاب.

والنار بدل من سوء، في الآية الأولى.

وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] أي: يقول تعالى لملائكة النار ولزبانيتها: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] أي: أدخلوهم إلى أشد عذاب يوجد في جهنم؛ جزاء شركهم وظلمهم وطغيانهم، وكفرهم بنبييه إليهم، وإعطاءهم مهلة طويلة لعلهم يتوبون ويسلمون، فلم يتوبوا.