للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الذنب الذي أمر الرسول بالاستغفار منه]

وفي قوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر:٥٥]، ما هو ذنب رسول الله الذي سيستغفر منه صلى الله عليه وعلى آله، ونحن نرى ونسمع أن الله يقول له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤]، فيثني عليه وعلى خُلقه، ويشيد وينوه به، فكيف يكون من كان كذلك مذنباً؟ ونحن نرى أن الله جل جلاله يقول له بالنسبة للخلق كلهم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١].

وكأنه يقول: محمد صلى الله عليه وسلم أسوتكم وقدوتكم وإمامكم، فتخلقوا بأخلاقه، ودينوا بدينه، واتبعوا سيرته، واسلكوا أعماله، فذلك يوصلكم إلى رضا ربكم ودخول الجنان، ونرى ربنا ونسمعه يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، فهو قد أمرنا جل جلاله بالائتساء برسولنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن نمتثل أمره وننتهي عن نهيه، وكيف يكون كذلك من له ذنوب؟ ونرى الله تعالى يقول لنا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠]، فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي طاعة لله، في كل أعماله وسلوكه وأقواله.

ونرى الله جل جلاله يقول عند نزاعنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩]، فالله جعل كتابه ونبيه في حياته أو سنته بعد مماته هي المخلص من النزاع، والمخرج من الشقاق، فأمر بالعودة إليه والنتيجة: إن تنازعتم فمن كان منكم معه دليل من قوله تعالى أو من قول نبيه صلى الله عليه وسلم فذلك الفيصل الذي يفصل بين الحق والباطل، والذي لا نزاع فيه قط بعد ذلك، ولن يكون النزاع إلا عندما لا تكون هناك أدلة ولا براهين تؤكد قول القائل.

ونحن نرى الله تعالى عندما أكرم نبيه بالنصر المؤزر، ووعده به بعد معاهدة الحديبية يقول له: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:١ - ٢]، فما هو الذنب المتقدم؟ وما هو الذنب المتأخر؟ هذه الأشياء لا يكاد يتقنها ويتكلم عنها إلا من يسمون بأهل الآداب والرقائق والمعرفة بالله.