للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله)]

قال ربنا: {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر:٦٦].

لقد دعا كفار قريش محمداً عليه الصلاة والسلام للبقاء على دينهم، ولعبادة أصنامهم، ولاتباع ما كانوا يعبدون من دون الله، فقال الله له: قل يا محمد {إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي} [غافر:٦٦] أي: قل لهم: إن الله قد نهاني ومنعني أن أعبد الذي تعبدون من دون الله من وثن وصنم؛ لما جاءتني الدلائل الواضحات والبراهين البينات التي تظهر وتبين لكل ذي عقل سليم لم تفسده الوثنية، ولم يفسده الشرك بالله، فهؤلاء الذين يشركون من دون الله ليس لهم دليل على هذه العبادة الباطلة.

فلا أعبد ما لا يعقل ولا يعي ولا يسمع، ولا يضر ولا ينفع، وإنما أعبد ربي وخالقي ورازقي والمحيي والمميت؛ ولأن ذلك قد جاء بدلائل بينات وببراهين واضحات لا ينكرها ذو عقل وبصيرة، فكيف أعبد ما لا يجوز عبادته، وما لا يضر ولا ينفع؟ {وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر:٦٦] أي: أمرت أن أستسلم لرب العالمين، والمراد بالعالمين: عوالم الخلق: العوالم الماضية والحاضرة واللاحقة، ومنها: عوالم الملائكة والجن والإنس أجمعين، فالله خالق كل شيء، ومحييه ومميته، فكيف يعبد ما لا يحيي ولا يميت ولا يخلق؟ فهذا من باطل دينكم وباطل ما ورثتموه عن آبائكم بلا دليل ولا برهان.