للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكلام على الحروف المقطعة وبيان خلود معجزة القرآن]

قال تعالى: {حم}.

هذه الحروف المقطّعة في تفسيرها، هل هي كلمات ورموز لمعان؟ وهل هي أسماء للسور التي يبتدأ بها؟ حكي في ذلك الكثير من الأقوال، وقد تكلمنا على ذلك في بداية سورة البقرة وقلنا: إن معناها: أن هذه الحروف المقطّعة هي أجزاء من حروف الهجاء العربية التي ينشأ منها كلام العرب، فبها نطق القرآن وبها تكلم الله، فيا أيها السامعون من العرب ومتقني لغة العرب! القرآن نزل معجزاً في اللفظ وفي المعنى، فإن استطعتم أن تأتوا بمثله فأتوا، ولن تستطيعوا ولو كان بعضكم لبعض ظهيراً، ولو تواطأ الجن والإنس على ذلك لعجزوا ولما استطاعوا.

وتفسير ذلك كأن يقول مثلاً الطبيب الكيميائي: الإنسان عبارة عن عناصر ماء وفحم وكربون وملح وسكر وما إلى ذلك من العناصر الأخرى، ويقول لك: هذه المواد أمامك فاصنع منها إنساناً كما صنعه الله جل جلاله، فإن الله تعالى يقول: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [غافر:٦٧]، إلى بقية الأطوار، وها هو التراب أمامكم فخذوا منه وزن رجل واصنعوا منه إنساناً، أو اصنعوا من النطفة إنساناً! أيستطيع أحد ذلك؟ ذلك هو الإعجاز، وذلك هو كلام الله المعجز في لفظه ومعناه.

وقد يأتي إنسان إلى بناء عظيم الطول والعرض، شاهق في عنان السماء، فيعجبه شكله وهندسته ومكانته ويبني مثله، أما أن يأتي بكتاب في البلاغة والفصاحة والإعجاز كالقرآن فما كان ذلك ولن يكون يوماً من الأيام.

وقد حاول المتنبئون الكذبة منذ مسيلمة الكذاب الدجّال إلى المعري -فيما ذكروه- أن يُعارضوا القرآن ويأتوا بمثله، فأتوا باللفظ المضحك الذي يضحك الثكلى وتنسى موت ولدها وحزنها وبأسها وما ابتليت به.

وكتاب الله هو المعجزة الدائمة المسترسلة المستمرة التي آمن بها من سبقنا في عصر الصحابة والنبوة، ونحن جئنا بعدهم بأربعة عشر قرناً والأمر كما قاله كتاب الله، لم يستطع أحد خلال هذه القرون المتطاولة أن يأتي بمثله أو بسورة منه، فقد بقي معجزاً في لفظه ومعناه، وتلك معجزة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدائمة كما أخبر عنها الله، وجميع المعجزات الماضية أدت مهمتها وقامت بوظائفها فآمن بها من آمن وانتهت بموت من أتى بها.

وأما القرآن فهو المعجزة الدائمة المستمرة الذي يرى كل جيل معجزته، سواء جاء في عصر القرآن أو من بعده إلى يوم القيامة، فهذا الكتاب العظيم هو كلام الله وخاتم كتبه بما فيه من إعجاز لفظي ومعنوي.