للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية لغة القرآن]

قال تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت:٣] فقد نزل هذا الكتاب على قوم يعلمون لغة العرب ويفهمونها ويعلمون دقائقها وظواهرها كما يعلمون بواطنها، ولذلك لا يعذرون في الكفر بها، وكانوا هم الذين نشروا لغتهم بعد ذلك بعد الوفاة النبوية وعند زحف عرب الجزيرة بقيادة قريش بعد أن هداها الله للإسلام في عهد الخلفاء الراشدين وخاصة أبا بكر وعمر.

فخرجوا بالإسلام عن حدود الجزيرة وضموا إليه أقاليم وشعوباً كأرض الشام والعراق وفارس ومصر والمغرب، ونشروا دينهم الذي هو دين الله بلغة الإسلام ولغة العرب، وما كاد ينتهي الجيل الأول حتى جاء الجيل الثاني وكان يتكلم العربية كأهلها، بل إن بعضهم كان أعلم بها من أهلها، ولم تتبلبل ألسنتهم وتختلط بلهجات فارسية أو حبشية أو رومانية، فقد تعلموها منذ الصغر فنطقوا بها بلهجاتها كما كان ينطق بها عبد المطلب وكما كان ينطق بها الأصحاب في الحياة النبوية.

وعندما ننظر إلى علوم الإسلام على اختلاف فنونها وأنواعها نجد أن أئمتها غير عرب، فمثلاً نجد إمام النحو العربي هو رجل فارسي، ولا يزال اسماً فارسياً، وهو سيبويه، والذي قاد المحدثين إلى جمع الصحيح وكان كتابه أعظم كتاب بعد كتاب الله هو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن بردزبه الجعفي البخاري، فهو جعفي ولاءً وبخاري حسباً ونسباً، وقل مثل ذلك على أكثر أئمة علوم وفنون الإسلام لغة وبياناً وقرآناً وحديثاً وجميع علوم الإسلام.

والعلم بالتعلم، وقد تعلم أبناؤنا ومعاصرونا لغة الأوروبيين والأمريكيين على اختلاف لهجاتهم وما تجاوزوا به الحد، وكان ذلك على حساب لغتهم العربية لغة الإسلام، ويا ليتهم عندما تعلموا ذلك تعلموا العربية بقواعدها وفنونها؛ حتى يستطيعوا فهم كتاب الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد تجد بعضهم أساتذة كباراً في جامعات كبرى وأساتذة لدراسات عليا إذا نطق أحدهم بلغة العرب خطيباً أو متكلماً أو كاتباً تجده يلحن ويحرف الكلام عن مواضعه، وهذا الذي يكون كذلك إذا فهم آية أو حديثاً فإن فهمه لهما يكون محرفاً، ومن هنا تضاءل العلم ورجع إلى الوراء.