للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولما جاء عيسى بالبينات)]

قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف:٦٣ - ٦٤].

يضرب الله الأمثال للناس بعيسى عليه السلام وبأنبياء بني إسرائيل؛ وذلك لأنهم أقرب الأنبياء إلى نبينا في الزمن والتاريخ، ولأنهم يوجدون معنا في الأرض، وعندما جاء الإسلام كانت الأرض فيها يهود ونصارى ووثنيون، ولكن اليهود والنصارى قد بدلوا وغيروا، وانتقلت ديانتهم من التوحيد إلى الشرك، فاليهود يعبدون العزير والعجل، والنصارى يعبدون عيسى ومريم، واختلفوا في عيسى اختلافاً كبيراً، فمنهم من يقول أنه الإله، ومنهم من يقول أنه ليس ابن أمه، أو هو ابن أمه من زناً، وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} [الزخرف:٦٣]، أي: عندما جاء عيسى بني إسرائيل بالآيات والمعجزات الدالات على صدقه، فقد كان يحيي الموتى بإذن الله، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، وإذا ببني إسرائيل قد غلوا وأفرطوا فيه فكفروا، والمسلمون يقولون: هو عبد الله ورسوله.

وقوله تعالى: {قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} [الزخرف:٦٣] أي: أنه جاء بالنبوءة وبالرسالة المشتملة على الحكمة، والحكمة هي فعل الأمر واجتناب النهي.

والحكمة هي الصلاح، أي: أنه قد أتى بما يصلح الناس ويهديهم في دنياهم وأخراهم.

وقوله تعالى: {وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزخرف:٦٣] أي: ليبين لهم ما اختلفوا فيه، وإنما الذي بين جميع ما اختلفوا فيه هو نبينا عليه الصلاة والسلام في كتاب ربنا المنزل القرآن الكريم، فهو الذي بين لليهود وللنصارى جميع ما اختلفوا فيه في الدنيا والآخرة.

وإنما كانت رسالة عيسى بالإيمان بالتوراة والعمل بما فيها، ونسخ القليل منها، ولبيان بعض ما تنازعوا فيه من الشئون الدينية، ولذلك كانت الرسالة الكاملة إلى الخلق كافة هي الرسالة المحمدية رسالة الإسلام ورسالة القرآن الكريم.

وقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الزخرف:٦٣]، أي: اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، وإياكم وأن تختلفوا على نبيكم وعلى كتاب ربكم فيلعنكم الله ويدخلكم النار.

فيأمرهم بأن يطيعوا نبيهم ليوصلهم إلى الحق والنور، ورضا الله ورحمته.