للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم قراءة البسملة مع الفاتحة في الصلاة]

هذه سورة الجاثية، وهي تشتمل على تسع وثلاثين آية، وهي سورة مكية، أي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة.

ويقال: سورة مكية وسورة مدنية، فما نزل بمكة فهو مكي، وما نزل بالمدينة فهو مدني، وما نزل بينهما إن كان وهو في مكة فهو مكي، وإن كان في طريقه إلى المدينة فهو مدني، وليس في القرآن إلا مكي أو مدني.

وقبل بداية السورة تقرأ البسملة، والبسملة لم تنزل في سورة مقطوعاً بها إلا في سورة النمل في ذكر الرسالة التي أرسلها سليمان إلى بلقيس ملكة اليمن، في قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [النمل:٣٠].

وذكر البسملة في أوائل السور من باب التيمن والتبرك بهذه الآية الكريمة، ومن هناك تنازع الفقهاء في قراءة البسملة مع الفاتحة في الصلاة، فقالت المالكية: لا تقرأ، وقالت الحنفية: لا تقرأ، واختلف في النقل عن الحنابلة كالعادة، وقالت الشافعية: تجب قراءتها، ودليل الشافعية ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شرع في الصلاة فقال: الله أكبر، {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:١ - ٢].

وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الله أكبر {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، وهذا دليل من قال: لا تجب قراءة البسملة مع الفاتحة.

ولكن علماء الأصول يقولون: المثبت مقدم على النافي، فمن نقل قراءة (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد أثبت ما سمعه، وهو ثقة في الرواية، فيجب قبول الرواية، ومن لم ينقل ذلك فإنه لم يسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بسم الله الرحمن الرحيم)، وكونه لم يسمع ليس حجة على من سمع، ولذلك فإن القاعدة الأصولية: (من سمع حجة على من لم يسمع)، فقراءة البسملة ثبتت عمن سمعها من الأصحاب رضي الله عنهم، وثبتت في وصف الصلاة للمسيء صلاته عندما صلى مستعجلاً غير مطمئن، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (ارجع فصل؛ فإنك لم تصل) أي: أعد صلاتك؛ فصلاتك ليست بصحيحة، فأعاد ثم أعاد، ولم يأت إلا بصلاة فاسدة، فقال للنبي عليه الصلاة والسلام: يا رسول الله! علمني.

فقال: (توضأ ثم استقبل القبلة، ثم قل: الله أكبر، ثم اقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:١ - ٢]) إلى آخر الصلاة من ركوع وجلوس وسجود وقيام وتكبير وسلام.

فالنبي عليه الصلاة والسلام ثبت عنه أنه بسمل في قراءة الفاتحة، فهي رواية عملية، وثبت أنه قال: للمسيء صلاته: (قل: الله أكبر {بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:١ - ٢]) فقراءة البسملة مع الفاتحة وردت بها الأحاديث العملية، والأحاديث القولية، وما ورد من خلاف ذلك فهي رواية من لم يسمع، ومن لم يسمع ليس بحجة على من سمع.