للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات)]

قال تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية:٢٥].

إن هؤلاء من تمام كفرهم وإصرارهم على هذا الكفر إذا أتتهم آيات الله وبراهين قدرة الله ووحدانية الله، وأن الله المحيي وأنه المميت، وأنه المهلك وأنه الذي يحيي الناس ويحيي الخلق بعد موتهم فهذا إلى الجنة وهذا إلى النار، إذا تتلى عليهم هذه الآيات وهذه البراهين وهذه الأدلة القاطعة التي لا ينكرها عقل إلا إذا كان به خلل أو مرض، ولا ينكرها مؤمن، إلا إذا كان قلبه مريضاً عليه غشاوة، وقد قضي عليه فلا يعي ولا يفهم ولا يفقه، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيات الله بَيِّنَاتٍ واضحات ظاهرات كاشفات للحق، كاشفات للباطل، بها نعرف الباطل فنطويه ونكفر به، وبها نعرف الحق فنلتزمه ونؤمن به، إذا بهم يريدون أن يجادلوا بالباطل.

قال تعالى: {مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية:٢٥] فيقولون: إن صدقتم في أن هناك حياة بعد الموت، كما يقول الأنبياء قبل، وكما يقول المؤمنون بعد، وكما يقول القرآن، وكما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام والمؤمنون، إن كان هذا حقاً فأتوا بآبائنا الذين ماتوا {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية:٢٥] لنسألهم ماذا لقوا في قبورهم، هل رأوا جنة أو ناراً؟ وهذا الذي قالوا باطل من القول ولغو؛ إذ لم يقل لهم بأن الأموات سيعودون إلى الحياة الدنيا، وإنما قيل لهم بأن الله سيعيد الحياة في الآخرة بعد انقضاء الدنيا وبعد محوها وبعد فنائها، أما أن يعيش الإنسان في الدنيا حياتين ويموت فيها موتتين فهذا لم يقله أحد، لم يأت به نبي ولا كتاب، ولا يؤمن به مؤمن.

(وحجتهم) في قوله تعالى: (ما كان حجتهم): خبر كان مقدم على الاسم، وتقدير القول: ما كان حجتهم إلا قولهم: ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين، فقُدّم الخبر على الاسم للحصر والاختصاص، فهو مما يؤكد زعمهم وقولهم ذلك، واستمساكهم بهذا الباطل.

فأتوا بشيء ظنوه حجة، وهيهات هيهات أن يكون كذلك، ما هو إلا جدال بالباطل، وما هو إلا قول لا دليل عليه، وما هو إلا كلام لا يقبله عقل ولم يؤكده نقل، ولكنهم فتحوا الأفواه فعووا كما يعوي الكلب دون فهم ولا إدراك ولا دين من الله ولا كتاب منزل ولا نبي مرسل، وما كان كذلك فهيهات هيهات أن يكون حجة، أو يكون قولاً يعتمد عليه ليجادل على طريقته ويجادل في سبيله.

وما ذكر الله قوله: (حجتهم) إلا لكونهم اعتبروه حجة، وليس هو من الحجة في شيء، وإنما هو الجدال بالباطل.