للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة النفر الذين حضروا لسماع القرآن من الجن]

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان ذلك عند ذهابه عليه الصلاة والسلام للطائف ليدعوهم إلى الله وينشر بينهم الدين، ففي بطن نخلة في الطريق إلى عكاظ أخذ يصلي صلاة الغداة -أي: صلاة الصبح- وإذا بنفر من الجن حضروا ليسمعوا القرآن وهو يقرؤه في الصلاة، ومن المعلوم أن الجن كانوا يسترقون السمع في السماوات، فيسمعون الكلمة الحق من الملائكة ينصتون إليها سارقين للسمع فيزيدون عليها تسعاً وتسعين كذبة، فيذهبون إلى كهنتهم ورهبانهم وحاخاماتهم، ويوهمونهم أنهم أتوهم بالحق، يفعلون ذلك كذباً وزوراً وافتراء ونشراً للأكاذيب على عادة الجن في عداء الإنسان، وإذا بهم يوماً حاولوا الذهاب والعلو إلى السماوات وإلى الأجواء ينصتون كعادتهم، وإذا بهم يُضربون بشهب من السماء وبنيازك نارية تقتل من تقتل وتشرّد من تشرّد، وإذا بكبيرهم إبليس يقول لهم: ما هذا إلا لحدث عظيم، اذهبوا واضربوا في مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ماذا حدث؟ وإذا بهم وهم في طريقهم إلى أرض تهامة إلى الطائف يسمعون ويرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ ويتلو عند صلاة الصبح، فأنصتوا وتدبّروا وكانوا بين سبعة وتسعة أنفار، فذهبوا إلى كبيرهم وقصوا عليه ما سمعوا فقال لهم: إذاً: هذا الحدث الذي قطع بينكم وبين ما تسمعون، وهذا نبي جديد قد بُعث، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرهم ولم يحضروا بين يديه أولاً، وإنما أوحي له بذلك، قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ} [الجن:١] فالنبي قد قال عليه الصلاة والسلام أي: قل يا محمد! أوحى الله إليّ أنه استمع طائفة من الجن لهذا القرآن واستمعوا لهذه الرسالة النبوية وعلموا الحقيقة، وقد رأوا ما الذي حدث وما الذي حال بينهم وبين السماء وما ينصتون إليه، ثم رجعوا إلى قومهم ينذرونهم ويخوفونهم ما سمعوا من كتاب الله، وما سمعوا من رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، فقولهم: {مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:٢٩] جمع منذر، أي: مخوفين مبلّغين مهددين.