للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة بعض المنافقين في جواز مصالحة اليهود]

وفي هذه الأيام العصيبة على المسلمين احتج بهذه المعاهدة بالذات منافقون من أدعياء الإسلام ومن أدعياء العلم واتخذوها حجة في الصلح مع اليهود، وقالوا: رسول الله قد صالح كفار مكة! فهذا كلام رجل منافق وجاهل ومضلل، وكلام قوم لم يمتوا للإسلام بصلة فضلاً عن العلم، والرد عليهم بما يلي: أولاً: مكة كانت دار هؤلاء وكان النبي واحداً من قريش، وهو الذي قام من بينهم وجاء بدين جديد عن أمر ربه، فزيّف أصنامهم وآلهتهم ومجتمعهم وحياتهم، وأما الصلح مع إخوان القردة والخنازير في أرض هي أرض المسلمين منذ جاء الإسلام منذ (١٤٠٠) عام، فتحها واستلم مفاتيحها عمر بن الخطاب والصحب الكرام، وهي للعرب قبل ذلك بقرون، وكون أنبياء بني إسرائيل أقاموا فيها زمناً، وأنبياء بني إسرائيل هم أنبياء الله، فلا صلة لهم بهؤلاء القردة والخنازير، وهم برآء منهم؛ لأنهم كفروا بهم، وقذفوهم، ولأنهم قالوا عنهم الأقاويل.

ثانياً: جاء رسول الله عزيزاً مكرماً وأراد أن يأتي بعمرة فصدوه على أن يأتي مرة ثانية، فأخذ معهم معاهدة كان ذلها ووبالها عليهم، وكانت النتيجة أن أسلم جميع أهل مكة يوم فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه المعاهدة بسنتين، ومن فر عن الإسلام عاد إليهم مغتبطاً مسلماً، حتى لقد أجمع أهل السير أنه لم يبق في قريش كافر ولا منافق.

وأما اليهود الذين احتلوا بيت المقدس فقد كذبوا على الله وافتروا عليه، وقد أتى بهم الاستعمار الحديث فأدخلوهم قهراً للمسلمين، وحرباً عليهم، وتشتيتاً لوحدتهم، وبذر السوء والألغام في أوساطهم، وما يجري اليوم هو أثر ذلك.

ثالثاً: إن اليهود احتلوا أرضاً مسلمة فيها القبلة الأولى، والمسجد الثالث الفاضل في الإسلام، ومليئة بأبناء الصحابة مهاجرين وأنصاراً، والعلماء والأولياء من كل لون في جميع القرون، فتنازل عنها حكام العرب وأعطوها للقردة والخنازير، وذهبوا إليهم وقالوا: قد جئناكم في عقر داركم، فمتى كانت القدس دارهم لتكون عقر دارهم؟ ثم بعد ذلك لم يقف الأمر عند المسالمة بل التحالف، فقد فتحت مصر أرضها للسفارة اليهودية، وهي البلاد ذات العلماء الصالحين وذات التاريخ العظيم في تاريخ الإسلام، وحُرِّف تاريخ الإسلام في مصر وأصبحوا يتحدثون عن فلسطين أنها أرض اليهودية، وأن قومها حرروها، وأن العرب والمسلمين كانوا فيها مستعمرين فكذبوا على الله، وارتدوا عن دين الإسلام، وتهودوا وخرجوا عن الدين الحق، وزيفوا الحقائق واخترعوا الأباطيل وقاموا بالهراء من القول.

وأما احتجاجهم بمعاهدة المدينة المنورة: فلم تكن معاهدة مع يهودها فقط، بل كانت مع جميع ساكنيها من الأوس والخزرج واليهود ومن إلى ذلك، فكان هؤلاء أبناء البلد، وكانوا عرباً وليسوا طارئين ولم يكونوا أجانب عن ذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي هاجر إلى المدينة وهو الذي جعلها دار نبوته ودار رسالته ودار دولته، وغدر اليهود فلم يحالفهم، ولم يرفع رايتهم في داخل البلاد، ولم يلفظ باسمهم، ولم يفتح لهم الأبواب، ولم يسلم المسلمين إليهم.

فالتجاوز في الصلح والسلام قد يكون ردة إلى اليهودية وإلى اللعنة وإلى غضب الله.

فالمعاهدة كانت نصراً مبيناً وفتحاً عظيماً، وقد كان عمر رضي الله عنه الذي عارض بعض بنود الصلح عن عدم فهم يقول: لا زلت طوال أيامي أستغفر الله، وأتوب إليه، وأتصدق من مالي، وأُعتق من رقابي؛ لعل الله يغفر لي ذلك الموقف الذي فعلته عند المعاهدة، وهذا نتيجة عدم فهمي وعدم إدراكي وعدم وعيي.