للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم)]

قال الله جل جلاله: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح:١٥].

وعد الله أهل الحديبية بمغانم؛ لأنهم عادوا بلا غنائم ولا مكاسب بينة واضحة، فوعدهم بحرب خيبر وأخذ المغانم منهم، وانفرادهم بها جزاء قتالهم وعهدهم ووجودهم وخروجهم لمعاهدة الحديبية حيث كان النصر المبين، فعندما سمع المخلفون ذلك قالوا: نريد أن نكون معكم (ذرونا نتبعكم)، فيريدون أن يشاركوا أهل الحديبية في حرب خيبر وكسب مغانمها، وهم واثقون بأنهم منتصرون لا محالة، ولكن الله أبعدهم عن ذلك وأمر نبيه ألا يقبل أحداً منهم.

فقوله تعالى: {إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} [الفتح:١٥] أي: إذا انطلقتم وذهبتم وحاربتم لتأخذوا مغانم أهل خيبر وقد انتصرتم عليهم.

وهذه السورة نزلت في الطريق بين مكة والمدينة ولم يكن شيء من ذلك بعد ولكنه سيكون، والله وعد أهل الحديبية بتلك المغانم فطمع هؤلاء المخلفون بأن يكونوا معهم، وأن يكسبوا كسبهم، ويغنموا غنائمهم، لكن الله أمر رسوله بألا يذهب أحد منهم معهم؛ لأنهم رفضوا أن يحضروا معاهدة الحديبية، ثم تعللوا بعلل كاذبة منافقة فقالوا: {شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح:١١].

فهؤلاء المنافقون كذبة لم يكن لهم عذر، ولم يطلبوا الاستغفار من رسول الله وهم يريدون التوبة والاستغفار، ولكنه كلام قالته الألسن وأنكرته القلوب، فلم يكونوا صادقين.

وقوله تعالى: {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} [الفتح:١٥] أي: اتركونا نتبعكم في هذه الغزوة.

وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:١٥]، وكلام الله كان قولاً ووحياً لرسوله في ألا يدع هؤلاء يذهبون معه للحرب والقتال، وإذا ذهبوا فلن يكسبوا غنائم، ولن يأخذوا ما يأخذه المحارب المجاهد الصابر.

وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} [الفتح:١٥] أي: يريدون تغييره ومعصيته وخلافه، وهيهات هيهات أن يمكنوا من ذلك.

قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} [الفتح:١٥] أي: لا ندعكم ولا نذركم تتبعوننا، فقد أمرنا ألا نقبلكم؛ لأنكم لم تحضروا معنا معاهدة الحديبية، ولن يقبل قولكم.

قال الله لنبيه عليه الصلاة والسلام: {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} [الفتح:١٥] أي: فسيقول هؤلاء المخلفون من الأعراب للمؤمنين من الأصحاب: بل حسدتمونا في هذا الخير.