للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تعريف السكينة]

وقوله تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:١٨].

السكينة: هي الطمأنينة والوقار، وقال أصحاب الرقائق والآداب: هي شيء يشمل على ثلاثة معان: النور، والقوة، والروح، وما تكاد السكينة يكرم بها أحد إلا ووجد يقيناً في نفسه، وسكينة في أعضائه، وقبولاً لأمر ربه ورضاً بما قسم له، فلا يكون قلقاً ولا مضطرباً، ويصبح أمام أمر الله وما صنع الله به من خير أو غيره في موضع سكينة، وهكذا باستمرار مادام ممتعاً بنزول السكينة على قلبه.

ولذلك قال أصحاب الرقائق والآداب: لا تنزل السكينة إلا على قلب نبي أو ولي.

وقوله تعالى: {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:١٨].

أي: أنزل الله السكينة على المؤمنين فاطمأنت الجوارح، وقد كانوا قلقين من معاهدة الحديبية ومن موادها ومن أحكامها، فلم يفهموا لها معنى ولا مغزى، ولكن بعد نزول السورة الكريمة ونزول السكينة عليهم اطمأنت جوارحهم، وزال قلقهم واضطرابهم، {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح:١٨] كان الفتح القريب هو: معاهدة الحديبية، والفتح البعيد هو: فتح مكة والطائف والروم وفارس والقسطنطينية والبربر، وكل فتح فتحه الله بعد ذلك.

ولكن البداية كانت في هذا الفتح المبين والعظيم: صلح الحديبية، الذي نزل فيه قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:١]، {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح:٣]، فكان صلح الحديبية فتحاً عظيماً ونصراً عزيزاً، وتتابع النصر بعد ذلك هيناً ليناً بلا مشقة ولا تعب ولا ما يزعج أو يقلق، وهكذا دام الأمر بينهم.