للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة)]

قال ربنا جل جلاله: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد:١٨].

قال الله عن هؤلاء الذين التزموا الكفر وأصروا عليه، وثبتوا عليه، ماذا ينتظرون في التوبة؟ وماذا ينتظرون في العودة عن كفرهم؟ {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} أي: فهل ينتظر هؤلاء إلا أن يُفاجئوا بغتة بقيام الساعة.

وقوله: ((فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا)) أي: فإن لم تأتهم الساعة بعد فعلاماتها وأماراتها وأشراطها قد أتت، قال هذا ربنا، والقرآن لا يزال ينزل على قلب نبينا عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وكان هو صلى الله عليه وسلم من أشراطها الأولى، كما جاء في حديث سهل بن سعد الساعدي كما في صحيح البخاري قال: قال رسول الله وأشار بالوسطى والتي تلي الإبهام: (بُعثت والساعة كهاتين) فما بين الساعة وإرسال رسول الله وبعثته إلا كما بين السبابة والوسطى.

وقل لي: كم مضى في السبابة من قرن وكم بقي من الساعة؟ ذلك مما لا سبيل إليه، فعلم الساعة مما استأثر الله به، ولا يعلمها إلا هو.

وعندما سئل المصطفى صلى الله عليه وسلم من جبريل، وقد أتاه إلى المسجد النبوي في صورة الرجل الغريب، جميل الثياب -أبيضها ونظيفها- فجلس بأدب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ويديه على فخذيه، وأخذ يسأل: يا محمد! ما الإيمان؟ فأجاب، ما الإسلام؟ فأجاب، ما الإحسان؟ فأجاب، وهو الحديث المشهور في الصحاح وأمهات السنن، يُقال عنه: حديث عمر، وحديث جبريل، ثم سأل عن الساعة؟ فأجاب: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: لست أعلم منك بها، فعلمي كعلمك قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ} [الأعراف:١٨٧] جل جلاله، وعزّ مقامه.

ولكن أشراطها -جمع شرط- أي: علاماتها وأماراتها، وهي ما سأل جبريل رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (ما أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة الرعاة الشاه يتطاولون في البنيان).

وقال أنس في روايته كما في صحيح البخاري: (ومن شرائط الساعة أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، وينتشر الزنا، ويكثر شرب الخمر، وأن تكثر النساء ويقل الرجال حتى يُصبح للرجل الواحد خمسون امرأة).

وكل هذا قد ابتدأ في عصرنا وفي عصور مضت، وأكثر سكان الأرض النساء، حيث تذكر الصحف دوماً في الإحصائيات الدولية الشعوبية أن أكثر الناس النساء، ومنذ يومين قرأت عن روسيا أن النساء تزيد فيها عن الرجال بثلاثين أو أربعين مليون امرأة، وبعضهن لا يجدن رجلاً حتى في الفساد والزنا؛ ولهذا عندما شرّع الله جل جلاله شريعة الإسلام أباح للرجل أربع نساء وقال: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:٣] أباح الأربع وأذن بها، وأباح ملك اليمين.

ونحن في عصر لو وزّعت أربع نسوة على كل رجل لبقيت الملايين لا يجدن رجلاً، ولا ينفع بعد ذلك إلا ملك اليمين، ولا تكون ملك اليمين إلا بعد حروب تنتصر بها الجيوش الإسلامية، ويجعلونهن جواري وإماءً، وذاك لخيرهن وصيانتهن وعيشهن وسترهن، والحفاظ على كفالتهن.

وأكثر ما يكون النساء في ديار الكافرين، وإن كانت بعض ديار المسلمين أخذت تلحق بهم، فنجد أكثر من خمسين في المائة لقطاء لا والد لهم، أباحوا الزنا قانوناً، وشرّعوه دستوراً، وأباحوا العشيقة، ونشروا الزنا مباحاً، فانتشرت بذلك البلايا والمصائب؛ ولذلك انتشر مجموعة من الغلمان الذين نشئوا بلا عطف، لأنهم فقدوا عطف الأب وبعضهم فقد عطف الأب والأم، فعاشوا في الشوارع عيشة الكلاب الضارية، وعيشة الخنازير السائبة، فكثر حقدهم بعد أن ميّزوا ذلك وأدركوه على كل رجل وامرأة، فظهر فيهم الفساد.

وكانت قوانين الأرض والسماء لا تُبيح معاقبة من لم يبلغ الرشد بعد، ولكن ما يحصل عن هؤلاء من أنواع الفساد والإجرام قتلاً وتعذيباً وتحريقاً وإفساداً لم يصدر مثله من الكبار، فتحايلوا على القوانين وجعلوا سجوناً، وقالوا عنها: دور الأحداث ودور التأجيل، وهي سجون فيها من أنواع العذاب ما لا يوجد في سجون الرجال، وهؤلاء الذين نشئوا نتيجة الفاحشة ونتيجة فساد المجتمعات كانوا لعنة آبائهم وأُمهاتهم في هذه الأرض.

ومن هنا نرى حديث أنس، وأن من أشراط الساعة أن يكون للرجل الواحد خمسين امرأة، ولو أردت أن توزّع النساء اليوم على الرجال لكان لكل رجل خمسون امرأة، والكثير منهم قد أعجزته امرأة واحدة، فكيف يقوم بخمسين فراشاً أو كسوة أو سكناً أو طعاماً؟ هو أعجز من ذلك؛ ولذلك أصبحت المرأة تجري خلف الرجل لكل هذه المعاني، وابتدأ هذا وكثر حتى في ديار الإسلام، وصدق رسول الله عليه الصلاة والسلام القائل: (لتتبعن سنن من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قيل: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذاً؟) هم بلاء وفساد الأرض، ومصدر لكل فساد وكفر وسفك دم ونشر فساد في المجتمعات بين الرجال والنساء والأطفال والشيوخ كذلك والعجزة.

قال تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:١٨].

فمن أشراطها الأولى نبي آخر الزمان الذي لا نبي بعده ولا رسول، ولا وحي بعده ولا كتاب بعد كتابه صلى الله عليه وسلم، وقد بيّن هذا رسول الله فقال: (بُعثت والساعة كهاتين) فكان هو من أشراطها ومن علاماتها وأماراتها.

قال تعالى: {فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} [محمد:١٨] أي: إذا جاءت الساعة فكيف يتذكّرون؟ وكيف يفكّرون؟ وهل تنفعهم ذكرى أو فكرة وقد قامت الساعة؟ بل الإنسان إذا وصلت روحه إلى الغرغرة {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:١٥٨] فكيف يتذكّر هؤلاء يوم القيامة وقد قامت الساعة؟ وهل تنفعهم ذكرى أو فكرة آنذاك؟ هيهات هيهات! الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.