للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم)]

فقولهم: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:٦٣].

قالوا: وليس هذان -أي: موسى وهارون- إلا ساحران، أي: هما مثلنا في الشعوذة يرون الناس ما لم يروه ويسترهبونهم بما يأتون.

فقولهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ} [طه:٦٣] تأكيد لما قال فرعون، والناس على دين ملوكهم.

{مِنْ أَرْضِكُمْ} [طه:٦٣] أي: من مصر، أي: أن يطردا من كان على دين فرعون وعبادة فرعون وتأليه فرعون.

{وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه:٦٣].

أي: ويذهبا بدينكم الأمثل، وأنث (المثلى) مراعاة للطريق، وهي مؤنثة من حيث اللفظ والمعنى، يقال: عمل أمثل، وطريقة مثلى، أي: أن يذهبوا بدينكم الأفضل من دينهم، وطريقتكم الأمثل والأفضل من طريقتهم.

هكذا أوحى لهم شيطانهم، وهكذا أكدت لهم وثنيتهم، فهؤلاء تناجوا بذلك ليأخذوا به قوة وليردعوا من تردد وضعف.

وقد قرئ في السبع، بل وهو المشهور في القراءة: (إنَّ هذان لساحران)، فإن: تنصب الاسم وترفع الخبر، ولكن هنا في الآية الكريمة لم تنصب المثنى, ولو نصبته لقيل فيه: إن هذين لساحران.

وقد خرج بعضهم الآية على أن (إنّ) هنا ليست (إنّ) المؤكدة، بل معناها هنا: نعم.

ومن عادة العرب في جاهليتها وإسلامها، وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه إذا ابتدأ في الكلام يقول: نعم.

ثم يتحدث.

وفي زوائد عبد الله بن أحمد على مسند أبيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم في رواية الكثيرين من الصحابة كان يخطب ويقول: إن الحمدُ لله) أي: نعم، الحمد لله.

وجاء رجل إلى عبد الله بن الزبير وهو خليفة على الحجاز وأرض الإسلام كلها إلا الشام، فطلبه شيئاً فمنعه منه، فقال له هذا الشاعر: لعن الله راحلة نقلتني إليك، فأجابه ابن الزبير: إنّ وصاحبها.

أي: نعم وصاحبها؛ لأنك جئت تطلب ما ليس لك وليس لي، حيث جئت تطلب مال غيرك من بيت مال المسلمين.

وقد روي في الشعر العربي الفصيح: بكر العواذل في الصبا ح يلمنني وألومهنّهْ ويقلن شيئاً قد علا ك وقد كبرت فقلت إنّهْ والعواذل: من يتغزل بهن، فأخذ يلومهن ويلمنه، فهو يقول: لا زالت في بقية، وهن يقلن له: لا، لقد كبرت وأصبحت ذا شيب ولا يطلب مثل ذلك الغواني.

قوله: (فقلت إنه) أي: نعم، ولم ينكر ذلك.

فهذه رواية، ويصح المعنى بها.

فتكلم هؤلاء السحرة وهم يتناجون ويقولون عن موسى: ما به إلا أن يخرجنا من أرضنا ويذهب بديننا، فنعم هذان لساحران، أي: كما يقول فرعون سيدهم ومربوبهم المزيف الباطل.

وقيل: (إنَّ) إذا دخلت على المثنى تعطل عن العمل ويبقى المثنى مرفوعاً حالة النصب وحالة الرفع وحالة الجر، وهي لغة فصيحة عند الكثير من قبائل العرب، ورووا في ذلك قولهم: إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها وكان ينبغي أن يقال: إن أباها وأبا أبيها.