للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)]

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات:١].

هذه سورة الحجرات، والحجرات: جمع حجرة، ويراد بها حجرات نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرت في السورة، وسميت بها من باب تسمية الكل باسم البعض، كسائر سور القرآن الكريم.

والسورة مدنية حيث نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وهي تشتمل على ثماني عشرة آية، وهي في الآداب والأخلاق، ومنها الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعظيمه واحترامه، وتعليم المسلمين كيف يكلمونه، وكيف يجالسونه، وكيف ينادونه، وألا يرفعوا أصواتهم بحضرته، وألا يرفعوا أصواتهم على صوته، وأن يغضوا أصواتهم بمحضره، وألا ينادوه وهو في داخل بيته، وإذا نادوه لا ينادونه كما ينادي الناس بعضهم بعضاً، ففعل ذلك جرائم وكبائر قد توصل إلى إحباط الأعمال.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:١].

وإذا سمعت: (يا أيها الذين آمنوا) فأعرها أذنك، واستعد لسماع الحكمة والحلال والحرام والآداب من الله جل جلاله.

ونجد أنه إذا خاطب الله المؤمنين بفروع الشريعة قال: (يا أيها الذين آمنوا)، وإذا خاطب بأصول الشريعة، وبالدعوة إلى التوحيد، وإلى ترك الأوثان والأصنام والأوثان والشركاء قال: ((يا أيها الناس)).

والخطاب في هذه السورة هو للمؤمنين في بيان كيف يتأدبون، وكيف يكون سلوكهم وعشرتهم ومجالستهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:١]، وقرئ في السبع: (لا تَقَدَّموا بين يدي الله ورسوله) بحذف إحدى التائين، أي: لا تتقدموا بين يدي الله ورسوله، والمؤدى واحد.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:١]، أي: لا تسبقوا ربكم ولا تسبقوا نبيكم في الحكم بالحلال والحرام، فلا يليق لكم أن تجمعوا وتشرعوا من أنفسكم أحكاماً ما أنزل الله بها من سلطان، فلا تسبقوا كتاب ربكم، ولا تلغوا أحكامه وتجعلونه وراء ظهوركم معرضين عنه، فلا تخرجوا عن أمر الله، ولا تتقدموا أمر الله، ولا تقدموا شيئاً بين يدي كتاب ربكم وسنة نبيكم، ففاعل ذلك فاعل حراماً، ومرتكب كبيرة قد تصل به إلى الكفر والردة.