للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم)]

قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:١٠].

يقول تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، فهم وحدهم الإخوة، وليس الكافر لنا بأخ، كما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١].

فمن تولى اليهود فهو منهم، ومن تولى النصارى فهو منهم، ومن تولى المنافقين فهو منهم، ومن تنكر للمسلمين فأصبح عدواً لهم فذلك قد يخرجه عن جماعة المسلمين، وقد قال الله لهؤلاء: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) يعامل معاملتهم ويقاتل قتالهم، وبنفس ما نعامل به اليهودي والنصراني نعامل المنافق.

يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:١٠]، وهذا عام، فأصلحوا بينهما إذا ظلم أحدهما الآخر، وإذا طغى أحدهما على أخيه، وإذا حاول أن يغصبه حقه، وإذا حاول أن ينتقص من مقامه، فأصلحوا بينهما، فهما أخوان لكم، فاتقوا الله في هذا، وأصلحوا بين الفئتين المتقاتلتين من المسلمين.

وهذا الأمر من الواجبات التي تركها المسلمون منذ قرون، فقد قوتل مسلمو اليمن ما يزيد على أربع سنوات، والناس يرونهم وكأنهم ليسوا بمسلمين، وقد علموا من الباغي، فلم يصلحوا بين الفئتين، ولم يردعوا الفئة الباغية، وحدث هذا في جميع ديار وأقطار المسلمين، حيث ظلم المسلمون من مسلمين، وانتهكت حرماتهم وقتلوا ظلماً وعدواناً، وأصيبت أموالهم، ولا يزال هذا قائماً في أكثر البلاد التي تنتسب للإسلام، وبقية المسلمين يرون هذا وهم ساكتون عنه، ولا ينصاعون لمثل هذه الآيات الكريمة: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحجرات:١٠] أي: فاتقوا الله في الإصلاح بين الإخوة، والتزام أخوة المسلمين، والسعي في صالحهم، والبعد عن أذاهم وضررهم.

قال تعالى: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات:١٠]، أي: لعل الله أن يرحمكم إن أنتم عدلتم بين إخوتكم وأصلحتم بين إخوتكم وانتصرتم للحق على الباطل.

و (لعل) في كتاب الله إن جاءت كانت للتحقيق لا للترجي فقط، أي: إن الله يرحمكم إن رحمتم إخوانكم وأخذتم على يدي الباغي وألزمتموه بالعدل والقسطاس، فإن لم تفعلوا فيوشك أن يعمكم الله بعقاب من السماء والأرض، وقد قال نبي الله عليه الصلاة والسلام: (إذا هابت أمتي أن تقول للظالم: يا ظالم؛ فقد تودع منها)، فإذا لم يقل المسلم للظالم: (يا ظالم) وعامله بمقتضى ظلمه وردعه عن الظلم، فإن الله يدع الكل ويتخلى عن الكل ويعاقب الكل.

وكما هو حادث في عصرنا، فالمسلمون يعذبون في جميع بقاع الأرض، في ديار المسلمين، وفي ديار الكافرين، وسائر المسلمين على قوتهم وعلى غناهم وعلى اقتدارهم لا يحركون ساكناً أمامهم وكأنهم ليسوا لهم بإخوة، حتى إذا ابتلي أولئك الذين خذلوا إخوانهم وسلط عليهم أعظم من ذلك فإنهم ينادون: يا ويلتاه! لم ننصر إخواننا فخذلونا عندما احتجنا إلى نصرتهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم، لا يخذله ولا يسلمه ولا يظلمه)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقيل: يا رسول الله! هذا المظلوم، فكيف ننصر الظالم؟! فقال: أن تحجزه عن ظلمه، فذلك نصر له).

فردع الظالم عن ظلمه هو نصرته؛ لأنك أبعدته عن الباطل وقربته للحق، فعسى أن يئوب إليه وأن يفيء إلى الحق ويقول: رب اغفر لي إساءتي يوم الدين.