للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معنى قوله تعالى: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً)

قال تعالى: {((وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه:١١٣]: أنزل القرآن بلغة العرب وبأساليبهم وبقواعدهم وبمفرداتهم، ومن هنا لم تبق اللغة العربية لقوم من الناس خاصة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من تعلم العربية فهو عربي، ليست العربية لكم بأب ولا أم، وإنما هي لسان).

ومن هنا اعتبرت بلاد المغرب التي تتكلم العربية عربية، ومصر عربية، والعراق عربية، بل وكل شخص نطق العربية فهو عربي، والأصل آدم أباً وحواء أماً، وما اللغات واللهجات إلا أداة للتعبير عما يجول في النفس.

قوله: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} [طه:١١٣].

أي: بينا وأوضحنا وفصلنا، وهو الإيعاد والنذارة والتهديد لمن لم يؤمن بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وما كانت البشارة إلا بالقرآن العربي، وما كانت النذارة إلا بالقرآن العربي، بل وفي العصور الأولى الثلاثة الفاضلة نجد معارف الإسلام كان أكثر من قام بها وتخصص فيها من غير العرب، فنجد الكتب الستة التي أثبتت السنة مغربلة مصححة، بعيدة عن الكذبة والكاذبين، أعني: صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن ابن ماجة وسنن النسائي؛ إنما صنفها رجال من غير العرب.

بل اللغة العربية اهتم بقواعدها وأحكامها سيبويه وألف كتابه (الكتاب)، وهو غير عربي، وتفسير محمد بن جرير الطبري يعتبر أعظم تفسير للقرآن، ومؤلفه ليس من العرب.

وهكذا في علوم القرآن، وعلوم السنة، ونجد في المذاهب الأربعة مذهباً وسع الدنيا وحكمها قروناً بعد قرون، -أعني مذهب أبي حنيفة - وما كان في الأصل إلا فارسياً.

ولم كل ذلك؟ لأنهم آمنوا بالله رباً وبكتابه وحياً؛ وقد نزل بالعربية، وأن الإسلام ينبغي أن يكون كذلك؛ لأنه لا يتم فهمه ولا تعلمه ولا دراسته إلا باللغة التي أنزله الله بها، فتعلموها منذ الصغر، وأصبحوا عرباً كبقية العرب؛ لأنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العربية ليست لكم بأب ولا أم وإنما هي لسان).

بل إن إسماعيل الجد الأعلى لنبينا عليه الصلاة والسلام أتى به إبراهيم من العراق -أرض بابل- طفلاً صغيراً، وفي الأصل لم يكن عربياً، فجاء إلى مكة ونشأ بين جرهم من قبائل العرب، فاستعرب وأصبح من سادة العرب وفصحائهم، وبعد قرون أصبحت العربية لغة منتشرة واسعة، وصارت أوسع اللغات على الإطلاق، وما كتب فيها يعد بآلاف المجلدات، ولا يزال إلى الآن كتابٌ جامع في لغتها يسمى (السماء والعالم) لـ أحمد بن أبان في مائة مجلد، ولا يزال موجوداً في المكاتب وخاصة في مكاتب المغرب، وكله في لغة العرب ودقائقها وتعابيرها.

وما لسان العرب المطبوع لـ ابن منظور الإفريقي الذي طبع في عشرين مجلداً ضخماً إلا دليل على أن هذه اللغة أوسع اللغات، ولا يضرها تنكر من تنكر لها من قومها أو غيرهم، فعندما يحارب شيئاً فإنما يحارب ما يتعلق به، فحرب العربية حرب للإسلام، ومجابهة العربية مجابهة للنبي العربي صلى الله عليه وسلم.