للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم)]

قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} [طه:١١٦]: أجمل أولاً ثم فصل، فقد أخبرنا في آية ماضية أنه عهد إلى آدم عهداً، وأوصاه وصية فنسي تنفيذها والقيام بها، ولم تكن له عزيمة، ولم يكن له صبر، ولم يكن له تصميم وذاكرة ليحفظ، ثم أخذ يفصل هذا الذي تركه فقال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [طه:١١٦].

والقصة أن الله جل جلاله أراد أن يخلق خلقاً ليعبدوه ويطيعوه، ولكن قضى أن يدخلوا الجنة أولاً، ثم ينسى آدم ويتسبب في نزولهم من الجنة مع زوجه حواء، ونبقى في الأرض للتعب والشقاء، وهي أيضاً مدرسة وابتلاء واختبار، وتكون بعدها إما جنة أو نار.

فخلق آدم من تراب، جمع من مختلف تربة الأرض، من خصبها ومن صحرائها، ومن جبالها، ومن الأرض الرملية، ومن هنا خرجت ذريته بعضها أبيض ببياض التراب، وبعضها أسود بسواد التراب، بعضها ذكي لخصوبة الأرض، وبعضها بليد لعدم خصوبة الأرض، بعضها ناشف ويابس ومتحجر كالجزء الصحراوي من الأرض.

وهكذا تغيرت الذرية وتشكلت بتشكل التراب الذي صنع منه آدم، وبقي آدم تمثالاً ترابياً (صلصالاً) أربعين عاماً، ثم نفخ الله فيه من روحه وقال له: كن بشراً سوياً فكان، وعندما وقف حياً ناطقاً متكلماً واعياً عاقلاً أمر الله الملائكة أن يسجدوا له، فسجدوا امتثالاً لأمر الله، ولا يليق بالعبد أن يتساءل في أمر ربه: لم؟ ويطلب الحكمة؛ ويوقف الطاعة إلى أن يعلم الحكمة، فهذا عمل الشيطان، وهو الكفر والجحود والعصيان.

قوله: (فسجدوا) أي: فسجد الملائكة، وكان إبليس معهم في الجنة، ولم يكن منهم، فقد ذكر الله عنه في صريح القول أنه كان من الجن ففسق عن أمر ربه، فلم يكن من الملائكة، وقص الله عن إبليس السبب المبرر لعدم سجوده لآدم، فقال: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:٧٦].

وأما الملائكة فليسوا من طين ولا من نار، ولكنهم مخلوقون من النور، فأصل الإنسان التراب، وأصل الملائكة النور، وأصل الشيطان وإبليس النار، وشتان بين النور والنار، فالنور مضيء والنار محرقة مدمرة، وقد تنفع ولكن عندما تكون في حدود النور، أما إذا جاوزت دمرت وخربت.

{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا} [طه:١١٦] امتثلوا لأمر الله وسجدوا، {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} [طه:١١٦] أي: امتنع متعاظماً متكبراً، ولذلك كان التكبر من الأسباب الخطيرة لإفساد المرء ودخوله في الكافرين المشركين.