للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى تزاور الشمس عن الكهف ذات اليمين]

قال تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف:١٧].

ومعنى ذلك أنهم دخلوا الكهف بعد أن اتفقوا عليه، ثم بعد ذلك أصابهم النوم، حيث ضرب الله على آذانهم كما سبق ذكره في مجمل قصتهم، فَحُذِفَ من السياق كلام علم بما أتى بعده.

يقول تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧].

فالله تعالى أنامهم ففقدوا الإحساس كما يفقده النائم، وضرب على آذانهم، وللحفاظ عليهم ببقاء سلامة أبدانهم من البلى ومن الفناء صنع بهم ما ذكره تعالى، ولذلك قال: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ} [الكهف:١٧].

يقول تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} [الكهف:١٧].

فعند الشروق كانت الشمس إذا طلعت عليهم تزاور، أي: تميل عنهم، فلا تشرق على أجسادهم، ولا على ذواتهم، ولو أشرقت الشمس عليهم صباحاً ومساء مع الأيام والسنين والقرون لأحرقتهم، ولبدلت ألوانهم، ولكن الله كان يكرمهم بدخول الشمس بغير أذى، والمكان الذي تدخله الشمس تدخله الصحة والعافية.

ومن تمام المكان الصحي أن يدخله الهواء والشمس، وليس من الضروري أن تصيبك الشمس، بل يكفي أن تدخل الشمس بشعاعها وضيائها.

يقول تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف:١٧].

فإذا دخلت الشمس صباحاً تميل عن أجسادهم فلا تمسهم، ويكونون في فيئها وفي ظلها، وإذا هي غابت وقت الغروب تقرضهم ذات الشمال، أي: تتركهم.

يقول تعالى: {وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف:١٧]، أي: في ساحة واسعة من الكهف، بحيث تدخل الشمس إلى الكهف، فينتفعون بضيائها وشعاعها وما جعله الله فيها مما يعود على البدن بالصحة والعافية، فهي تشرق في الصباح، فتطهر الكهف من الأنفاس التي احترقت، ومن الهواء العفن إن كان، ومما يمكن أن يحدث، فيبقى الكهف مدة رقادهم صحياً.

وقوله تعالى: {وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ} [الكهف:١٧] أصل القرض: القطع، بمعنى: تمر وتتجاوز عن أجسادهم، بمعنى أن الشمس تدخل في الصباح، وتدخل في المساء فتطهر المكان مما عسى أن يكون قد وقع فيه من أنفاس محترقة، ولكن أجسامهم لا تصيبها الشمس، حتى لا تسود ألوانهم.