للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وأمر أهلك بالصلاة)]

قال الله جلت عزته: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].

الله جل جلاله لم يكتف منا بأن نصلي لأنفسنا فقط، فقال جل جلاله: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣]، وأمرنا في العشرات من الآيات: أن أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة.

ومن هنا نفهم أن الإسلام اجتماعي وليس انعزالياً لا في عبادته ولا في نظمه ولا في دولته، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].

فالله كما أمرنا بالصلاة في أنفسنا أمرنا بأن نأمر أهلنا بالصلاة وأن نصطبر على ذلك، والأهل يشمل الزوجة والولد والقريب والبعيد الذي أنت على صلة به، وخادمك وصديقك ومن له بك صلة من الصلات.

وهو بالنسبة لرسول الله عليه الصلاة والسلام كل أمته، أي: وأمر أمتك وفي الدرجة الأولى نساءك وأصهارك وأحفادك وبني عمك وعشيرتك، ثم بقية المسلمين، وهو أمر لازم فرضه الله على كل مسلم، أعني أن يأمر بالصلاة زوجته وولده وبنته ومن له بصلة ما، فإذا لم يفعل وكان هؤلاء متهاونين بالصلاة فسيكون مسئولاً عنهم.

بل أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نأمر بالصلاة أطفالنا وأولادنا وهم أبناء سبع، فقال: (مروا أولدكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر).

فأعطانا قيادة داخل الأسرة بأن ننشئ أطفالنا على الصلاة منذ السنة السابعة، وأن نبقى نأمرهم بذلك ليتدربوا وليعتادوا وليتمرنوا ثلاث سنوات، فإن هم بعد ذلك قصروا فليضربوا جزاءً وفاقاً، فإذا جاوز الأمر إلى حد البلوغ فيختلف الوضع.

فتارك الصلاة كسلاً يقتل عند المذاهب الثلاثة: مذهب الشافعي، ومذهب مالك، ومذهب أحمد، ويسجن أبداً حتى يصلي عند الحنفية، ويجلد عشر ضربات عند الظاهرية، فإذا انتهى من الضربات وبقي ممتنعاً من الصلاة أعيدت عليه، وتكون عشراً ثم عشراً إلى الصلاة أو الموت، ومعنى ذلك: أن تارك الصلاة يعتبر جسماً موبوءاً في المجتمع، إما أن يصلي وإما أن يبعد عن المجتمع بأن يدفن تحت التراب أو يسجن أو يجلد حتى الموت، أو الصلاة، بل جاء عند الحنابلة أنه يقتل كافراً.

وظواهر الأحاديث تدل على ذلك، وهو مذهب كثير من السلف صحابة وتابعين وأئمة مجتهدين، ومن هذه الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الفرق بين المؤمن والكافر ترك الصلاة)، بمعنى: أن الصلاة عماد الدين فمن تركها فقد كفر.

قوله: {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:١٣٢]، أي: اصطبر عليها في نفسك وأدها في وقت الحر ووقت البرد، وفي الليل والنهار، وفي الحضر والسفر، وفي الصحة والمرض، وفي البر وداخل البحر، وعلى الجبال والوهاد والصحاري.

ولا يعذر أحد في ترك الصلاة إلا أن يفقد عقله أو يصبح في عداد الأموات.

واصطبر عليها في دعوة أهلك لها، وفي دعوة ولدك فأدبهم عليها بحسب ما ترى من التأديب، والمرأة التي تمتنع من الصلاة مع الهجران والتأديب لا خير فيها، وعند الكثير من الأئمة تعتبر مرتدة، وعقد النكاح يعتبر مفسوخاً بردتها.

قوله: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه:١٣٢].

أي: نحن لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أن ترزق غيرك، وإنما نسألك العبادة، ونسألك الصلاة وتفاصيلها وأوقاتها وركعاتها من أركان وواجبات وسنن ومستحبات، وقد بينتها السنة المطهرة.

قوله: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:١٣٢].

فهم الشراح والمفسرون أن من أسباب الرزق ودوامه الصلاة والملازمة لها، فقد كان نبينا صلوات الله وسلامه عليه إذا اشتدت به الضائقة صلى وأمر أهله بالصلاة، ولذلك من التزم الصلاة والتزم القيام بها في أوقاتها من ليل أو نهار أتته الدنيا وهي راغمة، وفي الحديث الصحيح: (من جعل الدنيا همه فرق الله عليه أمره، ومن جعل الآخرة همه رزقه الله من حيث لا يحتسب وأتته الدنيا وهي راغمة).

والرزق مضمون للحي فكيف بالعابد المصلي وقد فرغ وقته لله، خاصة إذا رزق القناعة والشكر على ما أعطاه ربه ولم يمد عينيه إلى ما متع الله به أصنافاً من الناس زهرة الحياة الدنيا ليبتليهم بذلك.

قوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].

العاقبة لأهل التقوى، ومهما رأيت أيها المؤمن من دنيا وجاه عند غيرك كافراً أو فاسقاً جاحداً أو مؤمناً عاصياً فالنهاية والعاقبة لمن كان مستقيماً، وعاقبة الأشرار البلاء والخزي والدمار في الدنيا والآخرة.

في الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (رأيت الليلة كأني في دار عقبة بن رافع وأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت ذلك، أن العاقبة لنا والرفعة في الدنيا، أن ديننا قد طاب).

وهكذا الرؤيا الصالحة لها أصول في تأويلها، وهي جزء من خمسة وأربعين جزءاً من النبوءة، ويقول ربنا جل جلاله: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس:٦٤]، وقيل: يا رسول الله! هذه البشرى في الآخرة فكيف هي البشرى في الدنيا؟ قال: (الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له).