للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وهو الذي خلق الليل والنهار)]

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:٣٣].

الله الذي خلق الليل وجعله سكناً وراحة للإنسان، وخلق النهار وجعله معاشاً وعملاً وسعياً للإنسان على نفسه، وعلى من يهمه أمره.

ولولا الليل لما استراح إنسان في نهار أبدي سرمدي، ولولا النهار لمل الإنسان ولتقطعت أعضاؤه من كثرة النوم والجلوس؛ ولو كانت الأرض بلا شمس لأصابها الزمهرير، ولما نبت فيها نبات، ولما كبر فيها جسم.

ولو لم يكن القمر بالليل لما كان مد وجزر من البحر، ولما كان ولما كان، والله قد خلق كل ذلك لحكمة، وخلق منه ما يريح الإنسان في ليله ونهاره، في معاشه وراحته، وفي حياته كلها، لو ذهب الله بليله فمن سيأتينا بليل غيره؟! لو ذهب الله بنهاره فمن سواه يأتينا بما نحن في حاجة إليه.

قال تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:٣٣] الأفلاك العلوية والسلفية كلها تدور وتسبح، كما يسبح الإنسان.

والفلك لغة: هو الشيء المستدير، وقد مثل ذلك سعيد بن جبير بالمغزل عندما يكون له محور وهو يغزل مستديراً، ومثله عبد الله بن عباس بالرحى لها محور، والأفلاك تدور حولها.

وهكذا الآن عندما نرى خرائط الأفلاك العلوية والسفلية نجدها مستديرة، ولها محور في الوسط، والكل يسبح، ولذلك عندما يخرج الإنسان عن غلاف الأرض، حيث تخف الأجسام والأوزان إلى حدٍ بعيد فسيجد نفسه سابحاً في الفضاء.

وهذا معناه: أن الأرض كروية، والسماء كروية، والأفلاك كروية، وهذا ما أجمع عليه المسلمون قبل أن يفكر في هذا الكفار والمشركون.

وقد قال تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ} [الزمر:٥] والتكوير: دائرة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام عن عرش الرحمن: (هو على الكون هكذا، وأشار كالقبة) أي: كل مستدير، ونص السلف على أن الأرض كروية بيضاوية على شكل البيضة، ونص عليه ابن تيمية، ونص عليه قبله ابن حزم، والغزالي , وغيرهم من علماء القرآن والسنة.

وهذه الآية هي من الأدلة التي استدلوا بها أيضاً على كروية الأرض والأفلاك علواً وسفلاً، سماءً وأرضاً: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:٣٣]، والفلك: الدائرة، ويصبح الأمر أن كلاً يدور حوله كمن يسبح في النهر، أو يسبح في البحر.

{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:٣٣] تسبح الشمس، ويسبح القمر؛ ولهذا يرى في أحيان ولا يرى في أحيان، تغرب الشمس تارة وتشرق تارة، وهي في دورانها، والقمر وما معه من أفلاك في دورانه.