للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (إن الله يدافع عن الذين آمنوا)]

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:٣٨].

يقول جل جلاله عن المؤمنين وقد أمروا بالجهاد: قوموا بما فرض الله عليكم، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة، وقد تكفل الله بالدفاع عن المؤمنين وبأن ينصرهم ويسخر لهم من يدافع عنهم، وقد يدافع عنهم الملائكة كما في غزوات النبي عليه الصلاة والسلام وخاصة غزوة بدر، فقد حضر الملائكة مؤيدين رسول الله صلى الله عليه وسلم ورافديه وناصريه بأمر الله، وقال المشركون الذين أسروا: رأينا خيلاً بيضاً بين السماء والأرض.

وقال أحد المسلمين: رفعت السيف لأضرب عنق فلان وإذا بي أرى رقبته وقد دحرجت بين رجليه، ما أنا الذي قطعتها، وهكذا أدرك الصحابة مهاجرين وأنصاراً أنه كان هناك من يناصرهم ويدافع عنهم ويقاتل دونهم.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨]، وقرأ يدفع، والمعنى واحد، ودفع الله عن المؤمنين لها أشكال كما يريد الله، فقد يكون ذلك ريحاً عاصفاً تنفر الكفار وتدعوهم إلى الخوف والهرب، كما حصل في غزوة الأحزاب عندما جاءت ريح عاصف زعزعت ركن الأعداء المحاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، وهو خلف الخندق وهم بعيدين عنه، وقد يكون الدفع وباءً منتشراً في صفوف الأعداء، وقد يكون ملائكة، والله يدافع عن المؤمنين بما شاء وكيف شاء جل جلاله، والأمر كما قال الله: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:٣٨]، وإذا كان الله لا يحب شيئاً فهو حرام، فهو لا يحب كل خوان، أي: كثير الخيانة، والخيانة جريمة وكبيرة من الكبائر، وخوان صيغة مبالغة لفعال، أي: كثير الخيانة، فهو خائن في طاعة ربه، إما لأنه مشرك كافر لم يعط الحق لأهله، ولم يذكر الله خالقه ويعبده وهو المعطي والرازق، ولم يؤد الحقوق لأهلها، فلطالما خان ربه وخان عباده وخان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا اؤتمن على أمانة خانها، أو على حديث نشره وأذاعه وتلاعب بما فيه، أو على عرض هتكه، أو على مال أكله، فهو خوان مع ربه ومع الناس، والله يبغض هذا ولا يحبه.

قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج:٣٨] الكفور: الجاحد كثير الجحود، فهو جاحد لنعم الله، ولوحدانيته وللنعم التي أنعم بها عليه من الرب جل جلاله، وجاحد لإفضال الناس، فإذا أحسنوا إليه جحد إحسانهم، وإذا أعطوه جحد عطاءهم، وإذا أكرموه جحد إكرامهم، وهكذا تجده كافراً جحوداً مع الله ومع الناس، وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (من لم يشكر الناس لا يشكر الله)، ونحن قد أمرنا أن نشكر الله أصالة، والحمد والشكر هو لله، وأن نشكر من أتانا خير الله وإكرامه على يده، وقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لا يشكر الله)، فمن لم يشكر الوسائل والوسائط لا يشكر من أتاه ذلك على يده.

وأما أن تقول له: هذا كان بلا فضل منك، والله هو الذي سخرك، فهذا حق، ولكن لا بد أن تشكر الواسطة (من لم يشكر الناس لا يشكر الله).