للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بين يدي سورة المؤمنون]

سورة المؤمنون سميت بهذا الاسم لما في بدايتها ونهايتها وخلالها من صفات المؤمنين حقاً، وأن الإيمان ليس قولاً يقال فقط، بل هو قول باللسان، وعقد بالجنان، وعمل بالأركان، فإن خلا عن الجنان كان نفاقاً، وإن خلا عن الأركان كان فسقاً، وإن خلا عن اللسان كان كفراً، والقلوب الله أعلم بها.

ولا يتم إيمان المؤمن حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، يقولها لسانه، ويعتقدها بجنانه، ويصدق القلب اللسان واللسان القلب، وتعمل الجوارح بما يدل على صدقه ويقينه.

{وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:١ - ٣]، وكثيراً ما وصف الله المؤمنين أنهم يعملون الصالحات، وهي القيام بالأركان والصفات الآتية التي سنقولها في العشر الآيات المتتاليات على نسق واحد.

وهذه السورة مكية، أي: نزلت على نبينا عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة، وفيها مائة وتسع عشرة آية، وعرفت أنها مكية بما ثبت عن الأصحاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بها في مكة في صلاة الصبح، وإذا به وهو عند ذكر قصة فرعون مع موسى وهارون تأخذه سعلة، فيقطع بقية التلاوة في السورة ويركع.

وهذه السورة الكريمة المكية قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء عن عمر بن الخطاب فيما رواه عنه أصحاب السنن، قال عمر: (كان إذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعنا عند وجهه الشريف دوياً كدوي النحل، فنزل عليه مرة فلبث ساعة ثم رفع رأسه وقرأ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:١ - ١١].

فتلا صلى الله عليه وسلم هذه الآيات العشر ثم قال: نزلت علي آيات عشر من قام عليها دخل الجنة).

أي: من أقامها وتخلق بأخلاقها والتزم بها كان المؤمن حقاً، ومكافأته من الله وجزاؤه أن يدخل الجنة خالداً مخلداً فيها.

وسئلت السيدة عائشة رضوان الله عليها: (ماذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت للسائل: ألم تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قالت: إن قرأت فأعد القراءة: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:١] وإلى أن أتمت الآيات العشر، قالت: كان خلق رسول الله القرآن).

أي: كان متصفاً بهذه الصفات النبيلة الكريمة التي وصف الله بها رسله وعباده المصطفين الأخيار، وكان كما قال الله عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤]، وكان كما قال الله عنه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:٢٩]، واذكر مع هذا كل ما ورد ونزل عن الله جل جلاله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

وورد في السنن أن الله يقول في الحديث القدسي: (إني خلقت الجنة بيدي، جعلت لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك) أي: أن الطين الذين يجمع به كان مسكاً، (ثم قال للجنة بعد أن خلقها بيده: تكلمي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:١ - ٢]).