للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإن لكم في الأنعام لعبرة)]

قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون:٢١].

الأنعام تطلق على الإبل والبقر والضأن والماعز، فهذه الأنعام خلقها الله لنا، وجعل لنا فيها من المنافع الكثير الطيب.

((وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً)) نعتبر بها، ومن عبرها أننا نعيش بألبانها وبإنتاجها، ونعيش بوبرها وشعرها، ونعيش بها ركوباً لنا ننتقل بها من أرض إلى أرض.

((وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً)) تعتبرون وتتفكرون بها، فيزداد شكركم وحمدكم لله جل جلاله على بديع صنعته، وعلى إكرامه لكم بما أكرمكم به من أنواع الزيوت والأدهان، ومن أنواع الفواكه والحبوب، ومن أنواع اللحوم.

((وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا)) يسقينا مما في بطونها من اللبن، وهذا اللبن أشكال وألوان، فمنه اللبن الحامض المخيض، ومنه الأجبان التي نستعملها منه، والزبدة أشكال وألوان كذلك، فكله يدخل في هذا الذي يخرج من الأنعام.

وكل شيء نقول عندما نأكله ما علمنا صلى الله عليه وسلم أن نقول: (باسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وزدنا خيراً منه) إلا الحليب فإنا نقول فيه: (وزدنا منه) لأنه ليس هناك خير من الحليب، فبالحليب نعيش السنتين الأوليين، فهو الغذاء وهو الشراب، ويعيش المريض به، فيستطيع أن يعيش بالحليب بلا حاجة إلى خبز ولا إدام، فالحليب هو الخبز وهو الإدام، وفيه التغذية الكاملة التي في الشيء الآخر، ومن هنا قال الله تعالى: ((وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا)) أي: في الأنعام، ((مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ)) فننتفع بما فيها، ننتفع بأوبارها وأشعارها وبطونها وظهورها، فنركب الإبل، وفي الهند يركبون حتى البقر، ويروى في الأحاديث الماضية وبعض ذلك قد صح: (أن بقرة ركبها صاحبها أيام بني إسرائيل فإذا بها تنطق وتقول: لست لهذا خلقت، وإنما خلقت للحرث)، فقد خلقت للحليب وخلقت للولادة، ولذلك لا تكاد تجد هذا في بلاد المسلمين، فالإبل للركوب والبقر للحراثة وللحم وللحليب وللأدهان، وهكذا.

((وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا)) من السقي والشراب.

((وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ)) نأكلها إبلاً، ونأكلها بقراً، ونأكلها ضأناً، ونأكلها ماعزاً، ونستفيد من كل ما فيها طعاماً وشراباً وكسوة وألبسة من الأوبار والأشعار.