للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره)]

قال تعالى: {وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ} [الكهف:٣٤] وقرئ: (ثُمر).

أي: كان لهذا البستان باعتباره جميعه، أو صاحب البستان كان له ثمر.

وثمر: جمع ثمرة، أي: هذه الجنتان أعطت من ثمارها خيراتها، وقد قال تعالى: {وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا} [الكهف:٣٣] أي: لم تنقص، فقد أعطت ذلك بالكامل وقرئ (ثُمر) والثُمر معناه: الأموال بأشكالها، أي: وكان له أموال غير هذا البستان من الخيل والحمير والجمال وأنواع المواشي، والدواب، وأنواع التجارة، وكان له أموال ينميها فهو غني بالبستان وغني بأشياء أخرى، والمؤدى في الكل: أنه كان غنياً، نمى أمواله وساعده الحظ، فلو شكر الله على ذلك لأنعم عليه وزاده، ولكن العبرة بالخواتم فقد كانت خاتمته سيئة، فجاءه أخوه أو صاحبه يطلب رفده وحاجته، فقال له: أين ذهبت بالآلاف التي ورثتها؟! وإذا بهذا الرجل الصالح يعطيه درساً في الكفر والشرك، في الكبرياء والجبروت والتعالي على الله وعلى أخيه ورحمه، أو على صاحبه المؤمن.

{فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} [الكهف:٣٤]، فلم يقل الله: قال لأخيه، وإن كان لا يلزم قيل أخوه وقيل: مجرد صاحب، والأغلب أنه مجرد صاحب.

{فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:٣٤]، أخذ يتيه عليه بماله بعد أن جاء يطلب رفده فقال: أنا أكثر منك مالاً، عندي من المواشي، ومن الزراعة، ومن الذهب، ومن الفضة، ومن ومن (وأعن نفراً)، أي: أكثر زوجات وأولاداً، وأكثر خدماً وحشماً، فالعادة في المترفين والأغنياء أنه كلما ازداد المال زادت الزوجات، وكلما ازدادت الزوجات زاد الأولاد، وكلما ازداد الأولاد زاد الخدم والحشم والمراكب وما يتبع ذلك، فأخذ يتيه عليه مدلاً بماله وعزته بين قومه، يقول له: لست فريداً وأبتر، ولست غريباً.

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} [الكهف:٣٥]، أي: أخذه معه فدخل جنته وأدخل صاحبه، ليدل عليه بهذه الجنة التي وصفها الله أنها آتت أكلها ولم تنقص منه شيئاً، وكان من جمالها أن مياه الأنهار تتدفق وتجري خلالها، وكان من جمالها أنها حفت بالنخيل، فهي في منتهى ما يكون من الجمال.

{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [الكهف:٣٥] لكونه مشركاً ظلم نفسه بالشرك، وسيصرح بالشرك لصاحبه، {قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:٣٥ - ٣٦]، فإذا بهذا المشرك الظالم لنفسه، أخذه من التيه والعجب ومن النكران لما أغناه الله به، وأكرمه به، فعوضاً عن أن يشكر ربه ونعمته أخذ يتكبر على صاحبه ويدل عليه بجنته، ثم يقول له: ما أظن أن تبيد هذه أبداً، أي أنها لن تفنى، ولن تنتهي فقد جملتها وزرعتها وحرثتها وشققت أرضها أنهاراً ومياهاً.

{وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:٣٦]، أي: ولا أظن الساعة ستأتي، ولذلك لا مسئولية عما صنعت، إن أعطيت فمن كرمي، وإن منعت فمن حقي، ولذلك أنا محظوظ في دنياي، وليس هناك بعث ولا نشور ولا آخرة كما يقول: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي} [الكهف:٣٦]، وهذا يدل على أنه جرى بينهما حديث في التوحيد، وأن الآخر عندما طلبه أن يتصدق عليه أو يحسن إليه أو يسلفه، قال: أين مالك الذي ورثته معي؟ قال: جعلته لله لأجده عنده يوم القيامة.

والآخر يعتقد أنه لا قيامة ولا بعث، وأعلن الشرك بالله، وأعلن التيه بما يملك، ثم زاد فقال له: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي} [الكهف:٣٦]، أي: لئن كان هناك آخرة، ولئن كان بعث ونشور كما تزعم، {لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف:٣٦]، فهو يزعم غروراً وجنوناً وكفراً وإصراراً وبلاءً من الله له أنه لا آخرة ولا بعث، ويقول لصاحبه مجادلاً: وعلى فرض أن هناك بعثاً فأنا محظوظ عند ربي في الدنيا، فكما أعطاني في الدنيا فإنه سيعطيني يوم القيامة أحسن منها.