للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات)]

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [النور:٣٤].

يخاطب الله في هذه الآية المؤمنين والكافرين، فيخاطب المؤمنين ليزدادوا إيماناً وعلماً وطاعة، ويخاطب الكافرين ليعلموا حق الله الواجب عليهم، حتى إذا احتجوا قمعتهم حجة الله البالغة، فلا يقولون: لم نسمع ولم نرَ ولم يبلغنا كتاب ولم نسمع رسالة.

قال تعالى: ((وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)) أي: أنزل أحكاماً مبيّنة ومفسّرة واضحة فيها بيان الحلال والحرام، ومبينّات للكبير والصغير، فهي بيّنة ظاهرة مفسّرة، والتي لم تفسر في القرآن فسّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم المكلّف بالبيان والإيضاح، قال الشافعي رحمه الله: السنة كلها بيان وتفسير لكتاب الله.

فقوله تعالى: ((وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ)) أي: مبيّنة للحلال، ومبيّنة للحرام، ومفسِّرة للأحكام، ظاهرة وواضحة لا غموض فيها ولا لبس.

قال تعالى: ((وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)) ضرب لنا أمثالاً وتشبيهات في الأمم السابقة عندما عصت أمر ربها، وخرجت عن طاعة نبيها، وارتكبت من أنواع الفواحش ومن أنواع الموبقات ما الله به عليم، فعاقبهم بها في الدنيا قبل الآخرة، ودمّرهم، وأغرق من أغرق، وأذهب بالصيحة من أذهب، ورمى بالحجارة من رمى، وأغرق بالنيل وبأنواع البلاء من أغرق عندما فعلوا ذلك، والله لم يقص علينا هذا إلا لنأخذ العبرة والحكمة، ولنعلم عن يقين أننا إن صنعنا صنيع أمثالنا ممن سبقنا من بني آدم في مخالفة الله، والخروج عن طاعة رسول الله، فإنه يوشك أن يعمه الله بعقاب، وأن يعذّبهم الله في الدنيا قبل الآخرة، ولذلك يحذرنا الله نفسه في أكثر من آية وسورة؛ علّنا نهتدي ونقول يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.

قوله: ((وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)) أي: مضوا واندثروا وماتوا وهلكوا، ذكر الله قصصهم وأعمالهم وذكر ما عاملهم به ليعتبر الناس قبل الإسلام وأيام رسول الله وإلى يوم القيامة، ومنه ما يفعل الناس اليوم مما أشبهوا به الأمم السابقة والأمم الكافرة الخارجة عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينذر الله بذلك الناس ويتهددهم بذلك ويعظهم فيقول: ((وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)) أي: نصيحة وتنبيهاً لعل المتقي من الناس يخاف الله، ويترك ما حرّم الله، ويمتثل طاعته، ويفعل الصالحات ويترك الطالحات، ويقول: اللهم أعني على ذلك، ووفقني لكل خير.