للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[علة وجوب الاستئذان في الأوقات الثلاثة]

هذه المرات الثلاث هي عورات، لماذا؟ لأن الرجل أو المرأة عندما تدخل غرفتها وتغلقها عليها، سواء كانا معاً أو كان كل واحد منهما في مكان مستقل، فقد تتقلب وتتكشف عندما تزيل ثيابها الخارجية، والرجل كذلك، فإذا دخل عليها طفلها أو خادمها فقد يرى عورتها، أو ما لا يسرها أن تراه.

ففي هذه الحالة من الأدب الواجب أن يعلم الخادم والطفل ألا يفعل ذلك، وأما الكبار فالأمر في حقهم من باب أولى، فلماذا الخدم والصغار؟ لأن الله تعالى قال: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور:٥٨] فهذه الأوقات الثلاثة تعتبر عورة لما ينكشف فيها من العورة.

وقال الله بعدها: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} [النور:٥٨] أي: لا مانع ولا جناح ولا متابعة ولا مسئولية عليكم أو عليهم -عليكم يا أصحاب البيوت من أب وأم، وعليهم أي: يا من في البيوت من الخدم والأطفال- بعد هذه الأوقات الثلاث الدخول بغير أذن؛ لأن العورة لا تكون إلا هنا، والاستئذان لا يكون إلا هنا؛ لأن الله تعالى قال: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور:٥٨] أي: أن خدمنا يدخلون في غرفة ويخرجون من أخرى للخدمة، والأطفال كذلك لا يفترقون عن أمهم ولا يبتعدون عن أبيهم، طوافين خارجين داخلين ملتزمين بيوتهم؛ لأنهم يسكنون معك، فيريدون مرة من أمهم أكلاً أو شرباً، ومن أبيهم درهماً أو ديناراً أو كلمة، أو شيئاً يتعلق بهم من دراسة أو لباس أو نحو ذلك.

فقال تعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النور:٥٨] أي: يطوف بعضكم على بعض، فأنتم تسألونهم ذلك وهم يسألون ذلك، وأنتم تطوفون بهم وهم يطوفون بكم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام عندما سأل عن الهرة تشرب من الإناء ثم نتوضأ منه، فقال: (هن من الطوافين عليكم والطوافات) يعني: ملازمات للإنسان في البيت، وكانت تأتي القطة والنبي عليه الصلاة والسلام يتوضأ فيصغي لها الإناء لتشرب، ثم يتوضأ من نفس الماء؛ لأن الشأن فيها أنها نظيفة، إلا إذا رأيناها تأكل نجاسة أو جيفة ميتة، فعند ذاك نتحفظ منها.

ثم قال تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ} [النور:٥٨] أي: كذلك يبين الله لكم آياته من أحكام وأوامر ونواه، حتى تصبح بينة واضحة مفسرة مفهومة.

ثم قال تعالى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:٥٨] الله جل جلاله عليم بكل شيء، فيريد أن يعطينا من علمه ويؤدبنا ويعلمنا ويوجهنا، وهو حكيم في أفعاله وأوامره ونواهيه، وحكمة هذه الأوامر والاستئذانات ألا يكون هناك كشف للعورات.

وكل هذا من الآداب العامة، وإذا لم يكن هذا فيدل على فساد في الأدب وفي الدين وفي الأخلاق، ويبقى من لا يفعل هذه الآداب ولا يراعيها همل في همل.