للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره)]

ولذا قال الله بعدها: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:٦٣].

أي: عن أمر رسول الله، فيحذر الله جل جلاله ويهدد ويوعد ويخوف من يخالف ويعصي أمر رسوله، {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور:٦٣] أي: أن تصيبهم فتنة في الحياة في الدنيا من نفاق أو كفر وردة، أو من مصائب وبلايا وكوارث.

ثم في الآخرة: {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣] في الآخرة عذاب أليم إضافة إلى هذا الذي في الدنيا، ففي الدنيا هدد بالنفاق وبالكوارث، في الآخرة هدد بعذاب النار الأليم الموجع المهلك.

وهذا في مخالفة رسول الله حياً وميتاً، فهو رسول الله في حياته وبعد مماته، فلا نبي ولا رسول بعده، ودينه باق إلى يوم النفخ في الصور، وقد أمر بالإيمان به كل إنسان في مشارق ومغاربها، سواء أكان أبيض أم أسود، رجلاً أم امرأة، وهذه الآية -أي: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور:٦٣]- تعم كل مخالف.

و (عن) في قوله: (عن أمره) صلة، وفسرت (عن) هنا بأنها ليست صلة وإنما هي كلمة أصلية، (يخالفون عن أمره) أي: يختلفون في طاعته ويخرجون عنها.

{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور:٦٣] أي: ليحذروا من أن يصابوا بفتنة في حياتهم الدنيا: من شرك، أو بلاء، أو أي نوع من أنواع المصائب والكوارث.

{أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣] أي: مع هذا فيوم القيامة يصابون بمصائب العذاب الموجع، والعذاب المؤلم في الآخرة بالنار في يوم العرض على الله، وهذا جزاء المخالف لرسول الله وطاعة رسول الله، ومن قال: نطيع القرآن وأما السنة فلا حاجة إليها، فقد قال بهذا زنادقة، وهم بهذا مرتدون، فلا يتصور الإسلام بغير طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالله قد قال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠]، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧]، فما أتانا رسول الله وأمرنا به فقد أمرنا الله به أيضاً؛ لأن الله أمرنا بطاعته والامتثال لأمره صلى الله عليه وسلم.

وكذلك النهي، فقد أمرنا الله أن نمتثل أمره ونجتنب نهيه، ومن خرج عن ذلك فقد خرج عن القرآن، ومن خرج عن القرآن أصبح مرتداً حلال الدم والمال.