للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ألا إن لله ما في السماوات والأرض)]

ثم قال تعالى: {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٦٤].

قدس الله جل جلاله نفسه، وعلمنا أن نقدسه ونعظمه ونجله؛ فله السماوات وما فيها، والأرض وما عليها وما تحتها، وله كل شيء خلقاً وملكاً وتدبيراً وأمراً ونهياً، ومادام الأمر كذلك أيليق بالعبد أن يخالف سيده؟ وهل يصلح أن يعصي خالقه ويخرج عن طاعته؟ هذا في لغة العقول لا يليق، وهو في لغة الشريعة كفر وردة وخروج عن الإسلام.

وقوله: (ألا إن لله) (ألا) حرف تنبيه، وكأن المعنى: ألا انتبهوا أيها الناس، وانتبهوا أيها المنافقون، ويا هؤلاء الذين عصوا وخالفوا وخرجوا عن أمره! ألا اعلموا وانتبهوا أنكم لله بأرضكم وسمائكم، وكل ما في الكون ملك وخلق له، أفيليق بالمخلوق المملوك أن يخالف مالكه وخالقه؟ لا يليق هذا في لغة العقول، وهي لغة الشرع والإسلام كذلك.

وقوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور:٦٤] (قد) هنا للتحقيق، أي: قد علم الله ما أنتم عليه، وعلم حالكم من صدق وكذب، ومن إيمان وكفر، ومن صدق ونفاق، وهذا إنذار بأن الله لا تخفى عليه خافية، فهو يعلم السر وأخفى، والسر: هو ما ساررته مع أحد، والأخفى: هو الذي تخفيه ولا تقوله لأحد.

فالله يعلم ما في الضمائر، وما تنطوي عليه النفوس، وما يحدث به الإنسان نفسه ولا يخرج على لسانه.

إذاً: فكيف يخرج هذا العبد عن أمر الله وطاعته والله يعلم كل حاله ما نطق وما أضمر!! وقوله سبحانه: {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [النور:٦٤] أي: ويوم يرجع الخلق إليه يوم البعث والنشور، يوم الحياة الثانية، يعلم أولئك أن الله تعالى علم ما عملوا في دنياهم ظاهره وباطنه، سره وعلنه، وعند ذا يصيح الكفار والعصاة والمنافقون {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف:٤٩]، ينطق بذلك كتاب الله، وينطق بذلك المكلفان عن اليمين والشمال، فإن وجد خير فهو في كتاب اليمين، وإن وجد شر فهو في كتاب اليسار.

وقوله سبحانه: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٦٤].

ربنا عليم بكل شيء، والشيء: كل ما سوى الله، فالله يعلم أعمالنا ظاهرها وباطنها، وصدقها وكذبها، فهو عالم بكل شيء جل جلاله، وهذا تهديد ونذارة ووعيد للإنسان أن يخفي ما يظن أن الله لا يعلمه، فإذا ظن ذلك معناه أنه ازداد ضلالة وإفكاً وكفراً، ولما كان الله عالماً بكل شيء، ولا تخفى عليه خافية، فلا يليق بالمسلم إلا أن يكون صادق الإيمان، عاملاً بالأركان، مطيعاً لربه فيما به أمر، تاركاً لما عنه نهى، مطيعاً لرسوله كذلك، ومادام أنه يعلم -وهذا من عقائد المسلمين الأساسية- أن الله مطلع على كل شيء ففيما المخالفة والعصيان إذاً.

وهكذا ننتهي بسورة النور المباركة، ذات الأحكام العجيبة والحكم البليغة، وعلى صغر آياتها كانت عظيمة الأحكام والآداب والأذواق والرقائق، قد علمنا الله فيها ما يجب عن المسلم أن يكون عليه مع ربه، ومع نبيه ومع نفسه، ومع أهله وأصدقائه، وأن يتجنب النفاق والعصيان، وأن يتجنب مخالفة الشرع، فالله عالم بكل شيء ومطلع عليه.