للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن)]

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان:٦٠].

هذه السجدة اتفق عليها جميع العلماء، والرحمن اسم من أسماء الله جل جلاله، وفي صلح الحديبية أمر صلى الله عليه وسلم بكتابة الصلح مع أعدائه، فأمر علياً -وكان الكاتب لهذا الصلح- فقال: (اكتب باسم الله الرحمن الرحيم) فقال سفير قريش: ما الرحمن؟! لا نعرف الرحمن ولا الرحيم.

اكتب ما كنت تكتب قبل: باسمك اللهم.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد قال قبل ذلك: (لا يسألونني خطة يعظمون بها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) و (باسمك اللهم) معناها: باسمك يا الله، فليس فيها وثنية، فأمر علياً بكتابتها.

وكانوا يقولون لـ مسيلمة الكذاب: رحمان اليمامة، ولا أدري ما هذه الكلمة؛ فقد عرفت في أيام دعوى النبوة، ولذلك قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: لا نعلم ما الرحمن، لا نعلم إلا رحمان اليمامة.

وكانوا لذلك يشنعون عليه، فيقولون: كان محمد يدعونا إلى إله واحد، فأصبح يدعونا إلى إلهين: الله والرحمن، فنزل قوله تعالى منكراً ذلك ومزيلاً لجهالاتهم: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:١٨٠]، وقوله: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:١١٠].

فأسماء الله كلها حسنة، وكلها تدل على الله جل جلاله، فإذا قلنا: يا رحمن، يا رحيم، فذلك يعني: يا الله، وإذا قلنا: يا مجيب، أو يا عفو، أو يا غفور، فمعنى ذلك: يا الله.

يقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:٦٠] أي: اعبدوا الرحمن، ومن تمام العبادة السجود؛ لأنه جزء من الصلاة، وهو وضع الجبهة والأنف واليدين والركبتين وأصابع الرجلين على الأرض لله، وهي صفة لا يجوز أن تكون لأحد إلا لله، بل الركوع وطأطأة الرءوس لا يجوز إلا لله وحده.

يقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [الفرقان:٦٠]، فهم لا يزالون على كفرهم، حيث قالوا لرسول الله: أنطيعك بالسجود لهذا؟! قال تعالى: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان:٦٠] أي: ازدادوا نفوراً لكفرهم، ولإصرارهم، وازدادوا بهذا كفراً على كفر، فقد عصوا الله، ثم عصوا نبيه، ثم أنكروا أسماء الله الحسنى، ثم امتنعوا عن السجود.

ولذلك اتفق الفقهاء الأربعة على مشروعية السجود عند هذا الموضع، لأن هذه الآية دعي فيها الكفار إلى السجود لله فأبوا، فكيف يدعى المؤمن ولا يسجد؟!