للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)]

قال الله جل جلاله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].

يذكر ربنا جل جلاله جملة من آياته الكريمات في كلامه الشريف الكريم دلالة على قدرته، ودلالة على وحدانيته، ودلالة على أنه الواحد لا شريك له، ولا أحد يستحق عبادة أو إلهية أو ربوبية غيره جل جلاله، فيقول جل جلاله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:٦٢].

فيا أيها الناس من مؤمنين ومشركين! من الذي يستجيب للمضطر إذا دعاه، وكان في بلاء، أو كان في قهر، أو كان في ذل، ويكشف ما ابتلي به الإنسان من قهر ومرض وذل واستعباد إذا رفع يديه إلى الله ضارعاً وقال: (يا رب)؟! فمن الذي يستجيب له؟! ومن الذي يكشف عنه ضره؟! وهل يفعل هذا غير الله؟! هل تفعله تلك الأصنام وتلك الأوثان؟! وكل خلق الله هل يقدرون على أن يزيلوا كرب الناس وسوءهم؟! وهل يستطيعون أن يزيلوا ما يعيشون فيه من ضر وبلاء وسوء؟! فتعالى الله القادر على كل شيء، ملجأ كل فقير، وكل مريض، وكل مقهور، وكل مضطر لرحمته، ولا غنى بأحد من الخلق عن رحمته جل جلاله.

ولا ينكر ذلك إلا من ذهب عقله، وكثر الران على قلبه، فلا يميز بين نهار وليل، وبين حق وباطل، وبين نور وضلال.

وطالما ابتلي الناس بأضرار، فما زادوا عند دعاء ربهم على أن نادوا: (يا من يجيب المضطر إذا دعاه)، فاستجاب الله جل جلاله.

وتحضرني هنا قصة حكاها ابن كثير في التفسير، وهي أن رجلاً كان يكاري على بغل له بين مدينة دمشق إلى بلدة الزبداني، فركب معه رجل ذات مرة، فمرا على طريق غير مسلوكة، فقال له الراكب: خذ هذا الطريق فهو أيسر وأقرب، فقال له: هذه طريق مجهولة.

فقال: بل هي أقرب، فتبعه ودخل إلى أن وصلا إلى مكان وعر وواد عميق، فرأى جثث موتى، وعظاماً لبشر، فنزل ذلك الراكب وأخذ سكيناً ليقتل الرجل، فقال له: خذ هذا البغل ودعني، فقال: البغل قد أصبح ملكي، ولابد من قتلك.

فاستسلم له ثم قال: إن كان ولابد فدعني أصلي لله ركعتين.

فقال: عجل، قال: فقلت: الله أكبر، فأرتج عليّ القرآن فلم يحضرني منه حرف، وهو يعجلني، وإذا بي أتذكر هذه الآية الكريمة، فأخذت أضرع إلى الله، وأقول: (يا من يجيب المضطر إذا دعاه)، وإذا بفارس يظهر وبيده حربة، فيأتي إلى هذا الظالم ويطعنه بها فيصرعه على الأرض، فلما قضيت صلاتي التفت فرأيت ذلك فقلت للفارس: يا عبد الله! قل لي من أنت؟ فقال: أنا رسول الذي تضرعت إليه ودعوته! وهكذا أنقذه الله وأنجاه، فالله جل جلاله عليه الإجابة وعلينا الدعاء، كما قال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠].

وهنا يقول جل جلاله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢].

فيا من تعبدون غير الله وتشركون به سواه! إن وقعتم في بلاء وضر وذلّ، فمن ذا الذي إذا دعوتموه استجاب لكم، وكشف ما بكم من ضر؟! هل آلهتكم هذه الميتة الجامدة التي لا تضر ولا تنفع، وتُخلق ولا تَخلق، ولا تعي ولا تسمع، أم الله الذي يقدر على رفع الضر وكشف السوء سواه؟!