للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شرف العبودية لله تعالى]

قال تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل:٩١].

قال الله لعبده ونبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: قل: إنما أُمرت أن أعبد رب هذه البلدة، فكما أمرتكم بعبادة الله أُمرت أنا بأن أمتثل رسالتي وأن أُطيع إلهي وأن أعمل بالكتاب المُنزل عليّ، فكُنت أول مسلم وكُنت أول مستجيب لما جئت به للناس كافة.

و (إِنَّمَا) أداة حصر، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله) فأطرت النصارى عيسى فقالوا عنه: هو الله، وقالوا عنه: هو ابن الله، وقالوا: ثالث ثلاثة.

فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يؤكد ويُلح سفراً وحضراً على أنكم مهما مجّدتم فلن تخرجوني عن كوني عبداً لله أولاً، ثم أنا بعد ذلك نبي.

فأشرف صفة شرف بها المصطفى صلى الله عليه وسلم أن كان عبداً لله، وفي المناسبات الكبيرة عندما رفع الله شأن عبده محمد صلى الله عليه وسلم كان من أعلى الصفات وأزكى الصفات وأسماها أن يوسم بالعبد، كما قال تعالى عند ذكر الإسراء والمعراج، ولم يكن ذلك لأحد من الأنبياء قبل، ولم يكن ذلك لملك مقرّب ولا لنبي مرسل غير رسولنا وحده صلى الله عليه وسلم، حيث حصل له الإيمان شهوداً بما ذكر الله للخلق منذ آدم إلى خاتم الأنبياء نبينا صلى الله عليه وسلم، فعُرج به إلى السماوات العُلى سماء فسماء إلى سدرة المنتهى حتى كان قاب قوسين أو أدنى {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:١٧] فقال عن ذلك ربنا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:١] فوصفه بالعبودية، وتلك أسمى صفة وأشرف صفة يوصف بها خاتم الأنبياء؛ لأن عبودية الله حُرّية، ولأن عبودية الله شرف، ولأن عبودية الله لا تتم بحقها إلا للمقربين من الملائكة والمرسلين وأتباع المرسلين من الأتقياء والصالحين.

يقول تعالى: ((إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ)) وهذه البلدة هي مكة المكرمة التي فيها الكعبة المشرفة التي شرفت بأن جُعلت قبلة للمؤمنين وطاف بها المؤمنون منذ أيام آدم إلى أن جُددت وأُعيدت أيام إبراهيم إلى أن عادت إلى التوحيد والإيمان أيام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، فشرفها الله وأدام التوحيد المحيط بها، وأكثر الناس الذين يعبدون الله متجهين إليها وطائفين بها، ونسبة الرب إليها تشريف لها.

قال تعالى: (وله كل شيء)، فهو رب كل شيء، وكل شيء خاضع لجلاله مؤتمر بأمره، وهو خالق كل شيء ومعبود كل شيء جل جلاله وعزّ مقامه.

وقد فرض الله على كل إنسان في الأرض مرة في العمر أن يأتي إلى البلدة المكرّمة المقدسة طائفاً بالكعبة المشرفة، ساعياً بين الصفا والمروة، قائماً في عرفات، بائتاً في منى، قائماً بالمشاعر، مرة في العمر على أقل تقدير، ويُسن تجديد ذلك عند كل تمام خمس سنوات.