للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم سقوط تكاليف العبودية عن الأنبياء والصالحين]

يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((إِنَّمَا أُمِرْتُ)) ولو تركت الشريعة لأحد لتركت للنبي، فما زعمته الفئات الضالة من أن الإنسان عندما يعلو في الطاعة والمعرفة تسقط عنه الواجبات كذب وضلال، وهيهات هيهات! إنما أسقطها الشيطان، والشيطان عندما يمتثل الإنسان لأمره يكون قد أشرك بربه واتخذ الشيطان إلهاً.

والنبي عليه الصلاة والسلام على رفعة مقامه وأفضليته على كل الخلق كان أعبد الناس، وكان أتقى الناس، وكان أخوف الناس من ربه، ولذلك عندما اجتمع نفر من الصحابة فقال بعضهم: أصوم الدهر ولا أفطر، وقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: أقوم الليل ولا أنام، فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام قام خطيباً فقال: (أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأُفطر، وأقوم وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).

فمن رغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسلوكه في دين الله الذي أتى داعياً إليه لا يكون من المسلمين ولا يكون من أتباع النبي حقاً، وقد نهى عن صيام الدهر فقال: (لا صام من صام الدهر).

قال ابن العربي: إن كانت هذه دعوة من رسول الله عليه الصلاة والسلام على من صام الدهر فيا ويل من دعا عليه عليه الصلاة والسلام! والمعنى أن من صام الدهر لا أصحه الله ولا أمتعه بالعافية ليصوم.

وإن كان ذلك خبراً، كان معناه: لم يُعتبر صائماً، فليس له إلا الجوع والعطش، فلا أجر ولا ثواب.

فيقول ابن العربي مرة أخرى: فمن أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم عن عبادته وعن صيامه بأنه ليس صائماً وأنه لا أجر له ولا ثواب فإصراره بعد ذلك على صيام الدهر إصرار على المخالفة وعلى الخروج عن السنة النبوية المحمدية.

فالله جعلنا أرواحاً وأجساماً نأكل ونشرب ونتزوج ونتمتع في حدود الشريعة الإسلامية، ولا نخرج عن أمر الله بمقدار طاقتنا وقدرتنا، فإن حصل شيء منا فإنا نكثر الاستغفار ونُكثر التوبة، فالمؤمن خطاء.