للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها)]

قال تعالى: {وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [النمل:٩٣].

معناه: ابتدئ أعمالك بالحمد وأنهها بالحمد، فقد ابتدأ الله كتابه بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، وختم دخول الجنان بالحمد لله رب العالمين.

وهنا يقول الله لنبيه: قد بلّغت رسالة ربك، وقد تلوت كتابه، وقد أنذرت من يُنذر وبشّرت من يُبشّر، فقل بعد ذلك: (الحمد لله رب العالمين)، فالحمد لله على ما ألهم نبينا من طاعة لربه ومن نذارة ومن بشارة ومن تبليغ لكتاب ربه، وقام بذلك خير قيام صلى الله عليه وسلم، ولذلك خطب قبل موته بأشهر في حجة الوداع في الأرض المقدسة عند جبل الرحمة خُطبة الوداع، وكان يودع الخلق ويودع البشر، وقد قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:٣٠]، فكان يقول: (هل بلغت؟ هل بلغت؟) فيقولون: نعم يا رسول الله.

فيرفع أصبعه السبابة إلى السماء ويقول: (اللهم اشهد).

وهنا يقول الله له وقد بلّغ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} [النمل:٩٣].

أي: يا أيها الذين كذّبتم نبيكم وكفرتم بربكم! غداً ستردون فتعلمون، وفي الدنيا سترون الآيات.

قال هذا ربنا فبلغه إيانا نبينا قبل ألف وأربعمائة عام، وقد رأينا هذه الآيات، رآها الآباء ورآها الأجداد وأدركناها نحن، وسيراها من يأتي بعدنا إلى يوم القيامة، ومنها كل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم مما سيكون بعده من فتن وفجور ومعصية، وعز وشرف ونشر للإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، فستخاض بحار في سبيل الله.

فالعرب الذين كانوا يأكل قويهم ضعيفهم، ويصنعون الصنم من الحلوى ثم يجوعون فيأكلونه، جاءهم الإسلام فأصبحوا سادة الأرض وأئمة الأرض ومعلمي الأرض وأئمة الكون، نشروا الهدى والتوحيد، وأبطلوا الكفر وقضوا على الأوثان من الصين إلى أوروبا.

فعندما كانوا مطيعين لربهم قائمين بكتابهم يحكمون في الخلق بأحكام الله حلالها وحرامها، عندما كانوا كذلك سادوا الأرض كما أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام.

وكذلك أخبر بأنهم عندما يعصون ويخالفون ويتمردون على ربهم سينتكسون ويذلون ويحكمون من قبل أحقر الخلق وألعن البشر، وما يجري اليوم بيننا وبين اليهود والنصارى والمنافقين ما هو إلا عقوبة إلهية نتيجة تمردنا ونتيجة بعدنا عن الله وكتاب الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ولن يعود الله بنا إلى ما كنا فيه من خير ومن عز وشرف ونصر إلا إذا عدنا إلى ربنا مرة أخرى فحكمنا كتاب ربنا وسنة نبينا.