للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين)]

قال تعالى: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص:٢٧].

كانت هذه البنت المقترحة لهذا الاقتراح قد ضربت على الوتر الذي في نفس أبيها، فبادر أبوها بكل إسراع في الحين، وعرض البنتين معاً على موسى ليختار إحداهما كما يريد، فلم يلزمه بالكبيرة قبل الصغيرة ولم يدعه للصغيرة قبل الكبيرة وخيّره قال: هاتان بنتاي أريد أن أزوجك فاختر إحداهما إن شئت، وكانت الأجرة التي طلب ليست مالاً ولكن كانت عملاً، فطلب أن يخدمه ثمان سنوات، فيقوم برعي غنمه وبالخدمة الكاملة له ولزوجه ولبنتيه، ولما تحتاجه الدار.

ثم قال له: أنا أطلب ذلك لمدة ثمان سنين فإن أتممتها عشراً فمن عندك.

(سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) ستجدني صهراً صالحاً، وستجد مني ما تقر به عينك، وستجد مالي مالك وداري دارك، وإحدى ابنتي زوجتك، وأنت ستكون كابني.

وماذا يريد موسى الغريب أكثر من ذلك؟ فهو لا يعرف أهلاً ولا داراً، وهو يحتاج إلى الخبز والماء، وعندما وصل إلى والد البنتين عرض طعاماً للأكل قال: لا، نحن قوم لا نبيع ديننا بالدنيا، أنا لا أريد أجراً على ما سقيته لابنتيك، وإنما ذلك احتساب، قال: لم أفعل ذلك أجرة وإنما أفعله كرماً على عادتي وعادة آبائي وأجدادي، وكان أيضاً من بني إسرائيل؛ عند ذلك قال: ألست بجائع؟ قال: بلى، أنا جائع قال: كل إذاً، فأكل، فوجد المنزل والصهر الصالح، وكان من المؤمنين الصالحين.