للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استقبال الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم بالعَدد والعُدد

ثم مضى في طريقه، وكانت قبائل المدينة تمتد مع الوادي من قباء إلى المدينة شمالاً، فكان كلما مر بحي من الأحياء يجد أهله في العَدَد والعُدَد يأخذون بزمام الناقة: هلم إلينا يا رسول الله، هلم إلى العَدَد والعُدَد والمنعة؛ لأنهم بايعوه عند العقبة على هذا.

قبل مجيئه عليه السلام كانت المدينة منقسمة إلى قسمين، فقد استمرت الحروب فيما بينهم مائة سنة، والخمس سنوات التي سبقت مقدمة هي التي وضعت الحرب فيها أوزارها، وكانت الجروح لم تلتئم بعد، وهاهم الأوس والخزرج، أفينزل عند الأوس فيكون على حساب الخزرج، أم ينزل عند الخزرج فيكون على حساب الأوس، وهو إنما جاء ليجمع الجميع تحت راية واحدة؟! فإذا به وهو النبي المرسل الموحى إليه من ربه يقول لهم: (خلوا سبيلها فإنها مأمورة)، أي: خلوا سبيل الناقة.

وهكذا كلما مرت بحي قال: خلوا سبيلها خلوا سبيلها، حتى أتت إلى أمام هذا المسجد وبركت، وهي في كل هذا مأمورة، ولم ينزل عنها ابتداءً حتى لا يقولوا: غمزها، بل بقي عليها، ثم نهضت وهم ينظرون، ثم دارت واستدارت وتلفتت، وكأن مهندساً يأخذ خارطة إلى محل معين ويتبع الخارطة ويتأكد من الموقع.

فرجعت إلى المحل الأول وبركت ومدت عنقها كعلامة على النزول، فنزل صلى الله عليه وسلم عنها وقال: (هو المنزل إن شاء الله).

كل القبائل تعرض عليه العَدَد والعُدَد والمنعة وهو يعتذر إليهم ويقول: إنها مأمورة، وأنا تبع لها، حتى لا يتحمل مسئولية نزوله وإكرامه قوماً على قوم، حتى إن أخواله بني النجار ليقولون: هلم إلى أخوالك، فقال: (خلوا سبيلها).

ولما جاء إلى المحل الذي نزل فيه كان كل واحد يقول: عندي عندي، أما أبو أيوب فقد أخذ الرحل وأدخله بيته، فقال الرسول: (أين رحلي؟ قالوا: أدخله أبو أيوب، قال: المرء مع رحله).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>