للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حاجتنا الماسة للتوبة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

ثم أما بعد:

شكر الله لسيادتكم، وشكر الله لكم اجتماعكم، وجمعنا بكم في دار الكرامة.

أخٌ زار إخوانه، ومحبٌ زار أحبابه؛ ليتدارس معهم الرسالة التي أرسل بها محمدٌ عليه الصلاة والسلام، فهي رسالتي ورسالتكم، ومهمتي ومهمتكم، ومسئوليتي ومسئوليتكم، لا تصلح أنت، ولا أصلح أنا، ولا نتآخى ولا نتآلف إلا بهذه الرسالة الخالدة، قال تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لأنفال:٦٣].

كان الناس قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام أمواتاً {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل:٢١] كانوا يأكلون ويشربون، ويغنون ويرقصون ويطبلون؛ ولكنهم أموات، كانوا يخونون ويغشون، ويزنون ويغدرون ويرابون؛ ولكنهم أموات، فلما أتى محمدٌ عليه الصلاة والسلام كتب في قلوبهم النور {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢]

أنا وأنت بحاجة إلى هذا النور، أن نستلم هذا النور، وأن نمضي في أفياء هذا النور، وأي قلبٍ لا يصل إليه هذا النور؛ فسوف يبقى أعمى في الدنيا والآخرة، لا يجد سعادة، ولا يجد نجاحاً، ولا يجد فوزاً، فلا إله إلا الله كم لرسالته عليه الصلاة والسلام من إشراق! ولا إله إلا الله كم عمَّر الله بدعوته من قلوب! ولا إله إلا الله كم أحيا بدعوته من أرواح!

يا إخوتي في الله: عنوان هذه الجلسة والمحاضرة " دروسٌ في التوبة".

نحن نحتاج إلى التوبة صباح مساء؛ لأننا أذنبنا وقصرنا مع الله، وأخطأنا، المتكلم والسامع، ولكننا عرفنا أن لنا رباً سبحانه وتعالى، يأخذ بالذنب ويغفر الذنب، فقلنا: نستغفر الله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥].

يفتق الثوب؛ فيذهب به إلى الخياط، وتتعطل الآلة؛ فيذهب بها إلى المهندس، ويمرض المريض؛ فيذهب به إلى الطبيب، ولكن قلوبنا إذا تعطلت ومرضت وفتقت إلى أين يذهب بها؟ إلى الله الواحد الأحد، فلا يصلح القلوب إلا الله، ولا يشرح القلوب إلا الله، ولا ينور القلوب إلا الله {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٣٥].

والقلوب تفزع، والقلوب تقسو وتصدى، والقلوب تقفل فلا ترى نوراً ولا حكمةً، ولا هداية ولا رسالة.

كان عليه الصلاة والسلام يقول: {يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك} والله يقول: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن:١١] ويثبت قلبه على النور، وحاجتنا أول ما نحتاج؛ بل هي أول المنازل وآخر المنازل التوبة النصوحة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>