للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مأساة الرياضة وتقليد نجومها]

أيضاً عندهم إسراف في ممارسة الألعاب الرياضية، ومتابعة أخبارها ودوراتها، حتى تصبح شغلهم الشاغل وهمهم الأول، فيعرف الواحد منهم أسماء المنتخب والفريق، وحارس المرمى، والقلب، والمقدمة، والمؤخرة، والجناح، ويعرف أخبارها وأعلامها ونجومها، ومتابعاتها، وأول ما يأخذ الجريدة يفتح على الصفحة الرياضية، وتجده يتحرك مع أولئك، كأنه يرى في هؤلاء أنهم المهاجرون والأنصار، أو العشرة المبشرون بالجنة، أو أهل بدر، أو أهل بيعة الرضوان، فالله المستعان! وصدق الله إذ يقول: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:٢٣].

أيضاً يرتدون الملابس القصيرة التي لا تجوز الصلاة فيها، وهي إلى نصف الفخذ، ولا يجوز النظر إليهم، ولا يجوز اللعب معهم، لأن عورة المؤمن من السرة إلى الركبة، وهذا ثابت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام، أيضاً يطيلون الشعور إطالة فوق الحد، تقليداً لما يسمونه بالنجوم الكفرة، نجوم وليسوا بنجوم، يقلدونهم في قصات الشعر، وفي التسريح، لأن ذاك فعل، ولهم صور لأولئك يحتفظون بها، ويعشقونهم ويحبونهم، ويتولونهم، وهذا جرح في العقيدة وفي معالم التوحيد، أيضاً تجد بعضهم يربي شعره تربية مذهلة ويحلق لحيته، فإذا فاوضته في ذلك تكلم لك بذكاء وبخداع، وقال: الرسول صلى الله عليه وسلم كان يربي شعره، وهو قد حلق لحيته! {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:٨٥].

تؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم في الرأس وتكفر به في اللحية، لماذا تؤاخيه صلى الله عليه وسلم هنا، وتتركه هنا، وأصبحنا في درجة من الدروشة أن يضحك علينا بمثل هذا، وبلغ من حرص هذا أن يطبق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في رأسه، وهو لا يصلي معنا الصلوات الخمس في جماعة، أيضاً تجد بعضهم يطول أظفاره، حتى تخاف منه إذا صافحته أن يخدشك، وقد يقاتل بها أحياناً، وبعضهم يطول ظفراً واحداً، وهذه والعياذ بالله خطورة ما بعدها خطورة، لأنهم يمثلون مسارات خاطئة من المعصية والانخلاع والدمار في الخلق.

تعليق السلاسل في الرقاب، وربط الخيوط في المعاصم، وهي موضة خاصة يفعلها جيل من الشباب وطائفة، نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم.

أيضاً إهمال الرياضة الحقيقية: رياضة محمد صلى الله عليه وسلم ورياضة أصحابه، وهي السباحة والرماية وركوب الخيل، ويأتون بهذه الرياضة الأخرى التي تورث الذلة والقلة، والانهيار عند الأمة، أما رياضة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي القوة والمناعة والحصافة والرجولة، فيهملونها تماماً، ولا يفعلونها!

أيضاً إطلاق الصرخات والصيحات بالشتم والسب والألفاظ النابية، وبعضهم من يحيي بها بعضاً، وقد سمعتها بأذني، وكثير منكم يسمع هذا إذا لقيه لعنه، أول ما يراك يقول: لعنك الله أعوذ بالله! وقد أتى في الآثار أنه سوف تكون تحيتهم في آخر الزمان اللعن.

وذاك يضحك ويرد عليه اللعنة بأحسن منها، وهذه خطورة والعياذ بالله! ويشتمه شتماً لو تقولها لبعض الناس ذابحك وقاتلك، ويتلقاها ذاك برحابة صدر، فهذا دليل على أنه لا يتصور شيئاً عن الرسالة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في الخلق، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتابع الألفاظ ولا يمكن أن يجرح، وكان يقول: {لا يقل أحدكم خبثت نفسي، ولكن يقول: قلست نفسي} لأن الخبث لا يذكر في مثل هذا فكيف بالشتم واللعن؟! كيف بالقذف؟! كيف بأمور تشيب لها الرءوس يقولونها ويزاولونها؟! هذا أمر موجود يجده من يذهب منكم إلى المنتديات وإلى أماكن التجمع والأرصفة والملاهي.

نعم.

تخرج الرياضة عندنا وفي البلاد الأخرى عن المنافسة، أو عن شغل الوقت أو عن أمر من المباح، إلى شيء يصل إلى درجة التحريم؛ إلى الحزبيات، فهذا يدعي أنه هلالي إلى آخر قطرة من دمه، فيعيش باسم الهلال، وهذا نصراوي يتعشق نادي النصر في كل حركة، لباسه نصراوي، وسيارته نصراوية، وميداليته نصراوية، ويحب المجلة النصراوية، وإذا أتى مباراة هز كتفه وقلبه، ودموعه وأشجانه، وقام ليله ونهاره، وتبرع بالغالي والرخيص، وحضر وشجع، يسببون إرباكاً في الأمن، وفي مسيرة الأمة، يعرف ذلك من عرفه لولا أن حُد من هذه الظاهرة والحمد لله.

يذكرون أن رجلاً كان هلالياً، قدس الله روحه، وامرأته نصراوية نور الله ضريحها فغلب الهلال النصر، فدخل عليها فرحاً، فأعطته من الشتمات تدافع عن ناديها، كرمها الله وأعز الله قدرها، دفاع خولة بنت الأزور والخنساء وأسماء وزينب، فطلقها!

إنه الهوس التشجيعي، في الملبس والحديث وعند اللقاءات حتى تكون ديدن الإنسان ليل نهار، يشجع ويموت، ويتفانى ويدافع عن ناديه فرداً فرداً، ويأتي بالمحاسن إلى هذا النادي، ويتبجح بفضائل وانتصارات هذا النادي، كأنه أعاد لنا القدس وأفغانستان والأندلس المفقود وعمورية:

لهم شموخ المثنى ظاهراً ولهم هوىً إلى بابك الخرمي ينتسب

وقاتلت دوننا الأبواق صامدة أما الرجالُ فماتوا ثَم أو هربوا

عفواً هديت أبا تمام تسألني كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب

ماذا فعلنا غضبنا كالرجال ولم نَصدُق وقد صَدَق التنجيم والخطب

ناديت بالأمس عمورية اتقدت وللمنجم قالوا إننا الشهب

واليوم تسعون مليوناً وما بلغوا نضجاً وقد عصر الزيتون والعنب

تقليد الغرب في الرياضة والملابس والتمرينات والجوائز والدروع والكئوس والميداليات: {حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه} أمة تقلد في كل شيء.

قال أحد المفكرين: لو أتى غربي في لندن أو واشنطن ووضع حذاءً على رأسه، فأصبحت الموضة، لأصبح الناس بعد ثلاثة أيام في البلاد العربية يأخذون أحذيتهم ويضعونها على رءوسهم، فتقول لهم: لم؟ فيقول: موضة! تقليد أعمى.

قلدناهم في القشور فقط كما قال الغزالي والقرضاوي، وقد أصابا في هذا، لا صنعنا صاروخ جو أرض ولا أرض أرض ولا جو جو.

اختلفنا على تحريك الإصبع هل تتحرك جو أرض أم أرض أرض حتى تقاتلنا، ولا بد منها ولكن بحديث واحد، لم نصنع شيئاً الطباشير مستوردة من إيطاليا، والمسَّاحة من النمسا، والسبورة من بلغاريا، والأستاذ من بلد آخر، والطالب من الإنتاج المحلي.

فأنا أقول: يا أيها الكرام! لماذا لا نقلدهم في الإنتاج، وفي الإبداع، وفي التصنيع؛ صنع الطائرة، والميكرفون، والراديو، والمسجل؟ فقط في الخنافس، وفي الغناء، وفي الضياع، والتزلج على الثلج، والإقبال الشديد على متابعة المسابقات الرياضية، حتى أن المدرجات تزدحم بالجماهير، وكأنك في يوم عرفة، وصاحب اللاقط المرئي (صاحب التلفزيون) يظهر لك شباب الإسلام جيل محمد صلى الله عليه وسلم أنهم حضروا، فتمر الكاميرا يميناً ويساراً وتجد شباب الإسلام وهم يتمايلون على التصفيق، وشامير احتل فلسطين، وابتلعها، ونجيب الشيطان ابتلع أفغانستان، ومع ذلك شباب محمد عليه الصلاة والسلام يتمايلون في المدرجات، ألوف مؤلفة، ونقول: ما شاء الله! ما شاء الله، يا الله قويهم، على ماذا؟! على ضياع الأمة، وعلى موت الضمير، وموت الأعصاب! الاهتمام بالرياضة حتى تطغى على المشاعر والعواطف، فترى البعض يبكي لفوز فريق أو لهزيمة فريق، وهذا بكاء لا أجر فيه {عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله} لا لانتصار فريق ولا لانهزام فريق، لدرجة أن يبكي الواحد منهم كالفتاة، وينهد وينكسر أمامك، لماذا؟ قال: غلب الفريق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>