للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المحاسبة علاج لأمراض الشباب]

من العلاج أن أوقف هؤلاء أمام ضمائرهم، وأمام إيمانهم، وتاريخهم، وأمام أمتهم، وأقول للواحد منهم: قف تدبر تأمل اتق الله في نفسك وفي مستقبلك، إنك قادم على الله: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨].

أيها الشاب! ألم يجعل لك ربك عينين ولساناً وشفتين وهداك النجدين؟!

أيها الشاب! ألم يقل الله لك ولأمثالك: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:١ - ٣].

أيها الشاب! أنا أوقفك أمام تاريخك المجيد، وأمام سيرة الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام، وأمام القبر، وأمام النشر، والميزان والصراط، وأمام الجنة والنار، أوقفك في يوم تتذكره أنت: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨].

يقول سيد في الظلال عند تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨] قال: الجسد مكشوف، والضمير مكشوف، والقلب مكشوف، والصحيفة مكشوفة، والتاريخ مكشوف، أمام الله عز وجل.

أنا أوقف هذا الشاب الذي في الرصيف، والذي في المقهى والمنتدى، أوقفه بجسمه وبلحمه ودمه وشحمه وأعصابه وشعره وبصره وأظفاره، أوقفه أمام رب العالمين سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، في يوم يقول فيه: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:٦].

إنك متعب سواء تغني أو تصلي، سواء تسمع الموسيقى أو تقرأ القرآن، وكل سيلقى ربه فيحاسبه.

أيها الإخوة! أنا أعلم أن هناك شباباً ما كانوا يحافظون على الصلوات الخمس، أصيبوا بحوادث انقلاب سيارات، وذهبوا ضحيتها، أسأل الله أن يرحمهم، وأسأل الله أن يرحم كل من مات مسلماً، كنا نعزي أهاليهم؛ أمهاتهم وآباءهم، فيقول الأب وهو يبكي: ما علي ليته كان مستقيماً! إذن لهانت مصيبتي، لكن والله أتذكر أنه ما كان يحافظ على الصلوات الخمس، وكأن قلبي يتقطع، أنا أبكي على ابني لأنه يحاسب الآن في القبر عن الصلاة، يتقطع قلبي حسرة لهذا الابن؛ كيف يموت وهو ما كان طائعاً؛ لا أدري هل هو في روضة من رياض الجنة أم في حفرة من حفر النار! هذه مأساة لا يتصورها الإنسان.

الموت سهل، أن يموت لك ابن صالح، يلقى الله وهو صالح، يحافظ على الصلوات الخمس، عنده قرآن، وعنده ذكر، وعنده تسبيح، وعنده خير، وعنده استقامة، لكن أن يموت ابنك وهو عدو لله في صلاته وفي عبادته وفي سلوكه وأخلاقه، هذه مأساة كبرى لا يتصورها الإنسان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>