للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصبر والنظر إلى معالي الأمور]

أيضاً أوصي أولئك الشباب إذا اهتدى الواحد منهم أن يستمر وأن يصبر، وأن يواظب، ولا يظن أن الهداية كلمة تقال، يوماً أو يومين: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩].

فعليه أن يصبر حتى يفرج الله عز وجل كربه، حتى يجعل الله له الإيمان كالغذاء: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩].

أيضاً على هؤلاء الشباب أن ينظروا إلى معالي الأمور، فليس المقصد عندنا تجارة ولا بلوت، ولا أغنية ولا لهو ولا لذة عندنا مقاصد مهمة، جنة عرضها السماوات والأرض، حب الله ورسوله، ورفع الدين في العالم، وتصحيح مسار الأمم، وإعادة التاريخ من جديد مشرقاً، وحمل الهداية إلى الناس، ورد العاصين إلى الله، وإعمار الدنيا، وإقامة العدل في المعمورة، هذه مقاصدنا و:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

قارن بين هؤلاء وبين مصعب بن عمير , وعبد الله بن عمرو الأنصاري ومعاذ بن جبل، تجد البون الشاسع:

لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ

عندي عواطف وأشواق، ولو أعلم أني أستطيع لذهبت لكل واحد في مكانه، وسلمت عليه وعانقته، صدقوني لا أقوله من باب تزكية النفس، والله أعلم بما عندنا من التقصير، والله إني أفرح إذا رأيت الشاب الذي بدأ لأول مرة في الالتزام حتى لا تظهر عليه علامات الالتزام أنه ملتزم، إذا عانقني وإني أسلم عليه، وإني أفرح أنه يهتدي وأنه يحضر الدرس، وأنه أحب الدعاة، وأنه اقترب من طلبة العلم، حتى كأنه أهداني شيئاً عظيماً، فلله الحمد.

يا إخوة: لا نقابل هؤلاء مقابلة فظة غليظة.

أحدهم يريد الهداية فتقول له: يا عاصي الله ورسوله تأتينا وتسلم علينا، ليس هذا بمجلسك، هذا مجلس غيرك، أعوذ بالله!

بعضهم يشكو في رسائل من الفظاظة والغلظة والمقابلة الباردة التي ليست مقابلة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكسب الناس كالمغناطيس، يقول أحدهم في الرسول صلى الله عليه وسلم:

محاسنه هيولى كل حسن ومغناطيس أفئدة الرجال

يأتيه المشرك وهو يعبد الصنم، فيقبله ويعانقه، ويهش له ويبش، ويجلسه ويطعمه، فيصير جندياً من جنوده، ويجره الأعرابي ببردته، فيضحك ويتبسم له ويكسبه معه، فيعود الأعرابي داعية إلى قبيلته، فتسلم قبيلته عن بكرة أبيها.

دعونا من هذه المواجهات الساخنة مع الناس، أو الكلام الفظ الغليظ الذي يكسر بيننا وبينهم الزجاج، أو يقطع جسور المحبة، اجعلونا نصل الحب ونسكبه في قلوبهم حتى يشعروا أنا إخوانهم، وهم أبناء العمومة، وهم أبناء الجيران، وأبناء الخال، ما فاتوا عنا، وما فتنا عنهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>