للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسألة الرابعة في التربية: ترسيخ معنى الأخوة الإسلامية]

كثير من يتحدث عن الأخوة، ويدعو إلى الأخوة على المنبر، لكن إذا نزل تعامل مع الناس بالهراوة والكرباج، أخوة بالكلام فقط، لكن عند التعامل لا يسمح لهم في مثقال ذرة من الخطأ، تجده إذا أخطئوا عليه بكلمة ردها عليهم بعشر كلمات، يدعو إلى الأخوة لكن إذا جلس في المجلس بدأ يتكلم في عباد الله، فلان منهجه خطأ، انتبهوا لفلان في العقيدة، فلان أساء الأدب، فلان ليس عنده علم، فلان متهور، فأين معنى الأخوة؟ تريد مني أن أؤاخيك وقد هتكت عرضي، وسفكت دمي، وأذهبت ماء وجهي! تريد الأخوة وقد سببتني وشتمتني، متى نلتقي؟! لا، والله!

أتوا إلى الحسن، فقالوا: اغتابك رجل، فقال: خذوا له رطباً -قالها الغزالي في الإحياء - فذهبوا بالرطب إلى الرجل، وقالوا: أرسل الحسن إليك هذا وقال: [[تهدي لنا حسناتك، ونهدي لك رطباً]] وما سبه ولا جدّعه.

جاء رجل إلى ابن السماك الواعظ قال: غداً نتعاتب -يقول: غداً أحاسبك وتحاسبني- قال: غفر الله لك، بل غداً نتغافر، ولا نتحاسب، غداً نلتقي وأقول: غفر الله لك، وتقول: غفر الله لي.

ومعنى الأخوة ليس بالسهل، ففي الأخوة واجبات، يقول عليه الصلاة والسلام: {حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه} لقد وجد من أبناء الجيل، ومن أبناء الصحوة -وهذا يقين ليس ظناً ولا رجماً بالغيب- من يلتقي مع أخيه المسلم الشاب ولا يسلم عليه، نعم.

وُجد هذا وثبت كثبوت هلال العيد، فأي تربية ترباها هؤلاء؟! وهل يريدون نصر الإسلام؟! لا يسلم عليه، ولا يصافحه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {إذا لقيته فسلم عليه} والبشاشة مع السلام: {ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق} أو طلْق، أو طَلِق، وبعض الناس تراه منبسطاً مرتاحاً، فإذا رأى أخاه قبَّض وجهه، لأنه خالفه في جزئية!

قال: {وإذا استنصحك فانصحه} والبعض يجعل أخطاء أخيه معروضة أمام الناس، مع أنه لم يكلمه أبداً، بل تجده يتشفى فيه في المجالس بقوله: أخطأ حسبه الله في هذه المسألة، فإذا سألته: بالله عليك -وأنت تعرض أخطاءه على الناس- هل نصحته يا أخي؟ هل كلمته؟ أو كتبت له؟ فسيقول: لا.

إن أهل السنة يتناصحون، وإن أهل البدع يتفاضحون.

تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

{وإذا دعاك فأجبه} صعب على المسلم أن يدعو أخاه لمناسبة ليس فيها حرام فيعتذر دائماً، صحيح أن للناس أعذاراً، لكن لا يعتذر معتذر إلا لأحد أمور:

الأول: أن يكون له عذر شرعي، من مرض، أو سفر، أو ارتباط، أو موعد فله ذلك.

الثاني: أن يكون الاعتذار لبدعة، أو منكر عند الداعي، فله ذلك، فإن الإمام أحمد لم يكن يجيب دعوة أهل المنكرات، ولا أهل المعاصي الظاهرة مثل: أن يكون في بيته خمر يدار في المجلس، أو غناء يُضرب ويُستمع إليه في أثناء الجلسة أو أن هذا الرجل يشعر بعلو على إخوانه، فلا يجيب دعوته.

بعض الناس تجده لا يجيب دعوة الناس ويقول: أو كلما دعيت أجيب! أنا فاضل هل أمشي إلى المفضول؟! هم أقل قدراً مني، ولو لم يقله لسانه، ولكن قلبه يقول ذلك، والعجب هلاك محقق والعياذ بالله!

وإن من حقوق الأخوة الإسلامية: أن تدعو له بظهر الغيب، وعلامة الصدق أن تدعو له بظهر الغيب، وهو أمر مطلوب منا، ومطلوب منكم، انظر كيف رفع الله أحمد والشافعي.

أحمد بن حنبل رحمه الله رأى ابن الشافعي -بعد ما توفى الشافعي - فقال: [[أبوك من السبعة الذين أدعو الله لهم في السحر]] سبعة كان يدعو لهم الإمام أحمد من زملائه وإخوانه، يقولون في المثل العامي: (عدوك صاحب مهرتك) ولكنه ليس بصحيح بل أخوك هو الذي ينتهج نهجك، ويسير في مسيرتك.

كان أبو الدرداء يدعو لسبعين من أصحابه بظهر الغيب، وأسرع إجابة؛ دعوة غائب لغائب.

ومن حقوق الأخوة: إذا مرض أن تعوده، وإذا مات أن تتبع جنازته، وإذا عطس أن تشمته إلى غيرها من الحقوق، فترسيخ معنى الأخوة يأتي في الامتثال في أرض الواقع، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك وفي صحيح البخاري أصل الحديث، ولكن قصته: أن الصحابة اجتمعوا في مجلس، فتكلم بلال - بلال حبيب القلوب، يقول عمر: [[أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا]]- فقال له أبو ذر: [[حتى أنت يا بن السوداء تتكلم]]- أبو ذر هذا الذي تعلم في مدرسته عليه الصلاة والسلام- لكنه أخطأ وزل، فقام بلال، فشكاه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فغضب عليه الصلاة والسلام وتغير، فلما جاءه أبو ذر، لا يدري أبو ذر هل رد صلى الله عليه وسلم عليه السلام أو لم يرد، وقال: {أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية -وقعت كأنها صخرة، أو قذيفة، أو صاعقة- قال أبو ذر: يا رسول الله! على كبر سني فيَّ جاهلية، قال: نعم.

إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم} الحديث، فخرج أبو ذر - هذه القصة في غير البخاري - يبكي، ولما مر به بلال، قال: [[لا أرفع رأسي عن الأرض حتى تطأه برجلك، ووضع خده على التراب]].

إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد

وضع أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه خده على الأرض، وقال: يا أخي! لا أرفع خدي حتى تطأه برجلك، فأبى بلال لكرمه وسموه وأخلاقه وقال: [[أنت أخي]] وقاما وتعانقا وتباكيا.

إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها

<<  <  ج:
ص:  >  >>