للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسألة السابعة في التربية: الفتيا]

الفتيا هذه سلم إلى الظهور، وكثير من الناشئة إذا حفظ سورتين وحديثين ومقطعين قام يفتي الناس، فلا يرد أي سؤال، ويأتي أمام الناس فيثني رِجلاً تحت رجل، وعمره خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ويقول: الذي تطمئن إليه نفسي.

ومن أنت يا شيخ الإسلام! حتى تطمئن نفسك؟! وتطمئن نفسك بعد ماذا؟! كم تحفظ من الأحاديث؟ وكم تجيد من الآيات؟ وكم استقرأت من كلام أهل العلم؟

والناس في مسألة الفتيا طرفان ووسط:

أناس بلغ بهم الورع البارد إلى أن حرموا الناس العلم! والذين في الثانوية الآن باستطاعتهم أن يفتوا في بعض المسائل، كما لو سئل: كم أركان الإسلام؟ يقول: خمسة، لكن بعضهم عنده علم ومع ذلك تجده متحرجاً في كل مسألة -ورع بارد- فهذا اسمه ورع سامج مظلم، يقولون له: كم يتمضمض المتوضئ.

؟ يقول: الله ورسوله أعلم.

أو كم الخلفاء الراشدون؟ يقول: الله ورسوله أعلم.

فهذا ورع بارد.

وبعضهم يقابله بالطرف الآخر وهو من يفتي في كل مسألة، حتى في مسائل لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر، أما هو فيفتي، بل يسابق السائل في المجلس ويفتي في الطلاق والحيض، وتجد بعض الشباب الناشئة يفتون في هذا، رأى حديثاً واحداً فأفتى به في مثل هذه المسائل الصعبة، وحتى بعضهم يفتي في الرضاع، ثم يكتشف في البيت بعدما يعود أن المسألة خطأ، فلا يتصل بمن سأله ويقول: دعها تلحق بأخواتها، لأن له مسائل أخرى أخطأ فيها فقال: لا عليك.

ويسألونه في المجلس، فيقول له الشيطان: حاول أن تجيب لأنك إذا قلت: لا أدري؛ قالوا: ليس عندك علم، وتسقط من عيونهم، قال: على الله، عليك تثور وعليها تدور باسم الله، ثم يبدأ يتكلم.

ألا تدري أن الفتيا منصب الرسالة، وأنك تُوقِّع عن رب العالمين، وأن المفتي يوقف نفسه على الصراط، إما أن يزلق إلى النار، وإما أن ينجو إلى الجنة.

يقول ابن عمر للناس: [[تجعلوننا سلماً إلى النار؟!]] إن المستفتي لا يهمه أن تدخل النار أنت وأهلك وجيرانك، فالمسألة عنده فقط أن ينقذه المفتي ولذلك تجده أحياناً يقول: يا شيخ! أنا كنت غضباناً وطلقت زوجتي، فتفتيه أنت بالرفض مثلاً، وتقول: قد وقعت عليك طلقة، فيقول: أرجوك، والله لو تعرف ظروفي يا شيخ! -أصبحت مساومة وكأن المسألة بيع وشراء- أنا يا شيخ! عندي ظروف، وأنا مسافر، وعندي والدة في البيت، وأنا أحب زوجتي، أرجوك رجاء خاصاً!

أتريد أن تدخلني النار وتدخل أنت الجنة؟! أأرد عليك زوجتك حتى أكون من حطب جهنم؟! أعوذ بالله!!

[[كان علي بن أبي طالب يُسأل فيقول: لا أدري -الأمر سهل- ويقول: ما أبردها على قلبي!]].

أتى سائل من أهل العراق يسأل مالكاً إمام دار الهجرة، فسأله عن أربعين مسألة، فأفتاه في ثمان ورد اثنتين وثلاثين مسألة في بعض الروايات، قال السائل: ألا تعرف هذه المسائل؟! قال: عد إلى أهل العراق وقل: مالك لا يعرف شيئاً.

وكيف يرضي أهل العراق على حساب أن يدخل هو النار؟! نعوذ بالله من النار.

والوسط هم الذين أفتوا بعلم وسكتوا عما لا يعرفون وأولئك عباد الله الصادقون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>