للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مواطن ذكر الحمد]

والحمد يُذكر في ثلاث مواطن:

-الأول: يُذكَر في السراء والضراء.

-الثاني: يُذكَر إذا نفي العيب والوَصْم عنه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

-الثالث: يُذكَر عند الخلق والإنعام.

قال سبحانه في أول سورة الأنعام، وهي سورة بُدئت بهجوم أدبي على المشركين، ردَّت على المشركين في مكة، وعلى المانوية العجم في الشمال، يقول سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:١].

قال بعض الفضلاء: ردَّت هذه الآية على طائفتَين:

الأولى: طائفة المشركين: الذين جعلوا لله شركاء في حكم السماوات والأرض.

الثانية: طائفة المانوية التي قالت: إن للكون إلهين، إله الخير وهو النور، وإله الشر وهو الظلمة.

فأخبر سبحانه أنه هو الذي جعل الليل والنهار، وليست المانوية.

وكانت المانوية ترى أن من قاتل في الليل لا ينتصر، وأن من طلب مطلباً في الليل لا يكسبه، فيقول المتنبي -وهذا من الاستطراد- يمدح سيف الدولة، يقول:

فكم لظلام الليل عندك من يدٍ تحدث أن المانوية تكذبُ

يقول: أنت تنتصر في ظلام الليل، وهذا ردٌّ على المانوية التي تقول: إنه لا يمكن للإنسان أن ينتصر في جنح الظلام، وأنت تنتصر وتدوس خصمك في ليالي الليل وتقطع جماجمهم.

ولما ذكر الله بديع خلقه، استفتح بالحمد، فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:١].

وكان عليه الصلاة والسلام -كما في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري - كان يقول: {والحمد لله تملأ الميزان}.

فأشرف الكلمات بعد (لا إله إلا الله): الحمد لله.

ضاع فرس لـ جعفر الصادق، فقال: [[لئن وجدتُ الفرس لأحمدنَّ الله بمحامد ما حُمِد بمثلها فلما وجد فرسه، ركبه، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]]].

ويقول الله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:١٨٠ - ١٨٢] انظر كيف مَدَح وحَمِد نفسه في ختام هذه السورة لينفي الوصْم والعيب عنه تبارك وتعالى!!

وعند أحمد وأبي داود والترمذي وغيرهم: أن الأسود بن سريع وفد على الرسول عليه الصلاة والسلام وكان شاعراً، فقال: يا رسول الله! عندي محامد، حمدت بها الله، هل أسمعك منها؟ يعني: قصائد حمدت الله فيها، فتبسم عليه الصلاة والسلام، وقال: {أمَا إن ربك يحب المدح} الله يحب المدح، فلذلك مدح نفسه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وقدَّس نفسه، ونزه نفسه، ووصف نفسه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>