للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من أنوار النبي صلى الله عليه وسلم]

في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، في ليلته العطرة المباركة يوم بات مع خالته ميمونة رضي الله عنها وأرضاها، قال: {نمت في عرض الوسادة، فدخل صلى الله عليه وسلم، فنظر إلي، قال: نام الغليم؟ قالت: نعم نام} ظنت أنه نام ولكنه ما نام، لماذا أتى؟ أتى ليرى الرسول عليه الصلاة والسلام، ليرى سيرته في الليل، وصلاته ودعاءه وبكاءه وخشيته، ليستفيد منه في الليل.

نامت الأعين إلا مقلة تذرف الدمع وترعى مضجعك

فقام عليه الصلاة والسلام، فأتى إلى فراشه، فقرأ، ودعا، وهلل، وكبر وذكر الله، ثم نام، وعند البخاري: حتى سمعت خطيطه، وهو صوت يحدثه النائم من كثرة نومه أو استغراقه في النوم، لكن تنام عيناه ولا ينام قلبه، عليه الصلاة والسلام، فاستفاق من الليل يعرك النوم من عينيه، ويقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩٠ - ١٩١].

ثم قام عليه الصلاة والسلام فذهب لحاجته، فأتى ابن عباس فوضع له ماءً عند الباب، وهذا من الفقه في الدين، يدري أنه إذا انتهى يحتاج ماءً، فوصل عليه الصلاة والسلام، وقال يسأل نفسه: من وضع لي هذا الماء؟ ثم قال: {اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل} فكانت من أعظم الليالي في حياة ابن عباس، بل ميلاده وتاريخه بدأ من تلك الليلة.

فقام يتوضأ ووقف عن ميسرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، فأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم يده إلى أذن ابن عباس ففركها في الصلاة؛ لأنه وقف خطأً، وموقف المأموم الواحد عن يمين الإمام، فأعاده عن يمينه، وكان ابن عباس يحفظ الحركات والسكنات والكلمات تلك الليلة.

كانت من كلماته عليه الصلاة والسلام، وهو شاهدنا هذه الليلة: {اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن} انظر نص الكلام، كلام يصل إلى القلوب.

{اللهم لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد -وفي لفظ: أنت إله السماوات والأرض ومن فيهن- ولك الحمد أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}.

ثم خرج إلى الصلاة صلى الله عليه وسلم في الفجر، فكان يقول: {اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً} وعند البخاري: {واجعل في شعري نوراً، وفي عظمي نوراً، وفي مخي نوراً، وفي عصبي نوراً، وأعظم لي نوراً} إنه نور الله الذي ينزله في قلب من يشاء من عباده.

<<  <  ج:
ص:  >  >>