للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مواقف من إعانة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه]

{الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه}

وذكر الإمام أحمد في المسند أن خباب بن الأرت، لما ذهب يجاهد في سبيل الله كان عليه الصلاة والسلام يأتي إلى أهل خباب بن الأرت فيحلب لهم غنمهم، الله أكبر! الله أكبر! هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالعظمة والكبرياء، لا تصلح وجوههم أحذية للرسول صلى الله عليه وسلم، جلد جباههم لا تصلح أحذية له، يحلب شياه أسرة خباب بن الأرت.

معلم البشرية، أصفى جوهر خلقه الله من الخليقة، شفيع الناس، وأبرهم وأكرمهم، المنقذ بإذن الله، الذي هدى الأمة إلى صراط الله المستقيم، الذي يتنزل عليه جبريل صباح مساء بالوحي، يذهب إلى أحد الموالي من أمته، فيحلب لأهله الشياه في الأواني، ويدفع لهم اللبن، كما روى الإمام أحمد في المسند.

ولعلك تتأمل هذه القصة، لتعيش عظمة الإنسان الذي عرف طريقه، وعرف كيف ينقذ هذه الأمة، ثم تقارن بينه وبين أناس لا يسلمون على الناس، البشر ليسوا عندهم بشر إنما هم عنده كالحيوانات الأليفة، لا يسلم، ولا ينظر، ولا يتبسم، ولا يمد يده؛ وكأنه من جنس آخر، ودمه دم آخر، ففرق بين أن يأتي الإنسان يحمل هذا الدين: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] فيأتي إلى إخوانه المؤمنين، فيرى أنه يوم يكون ذليلاً لهم قريباً منهم يكون قريباً من الله: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤].

أسد عليَّ وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى إذ كان قلبك في جناحي طائر

هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يحلب شياه خباب بن الأرت لبناته وأطفاله، هو الرجل الذي في حنين يصدم كتيبة قوامها ألف مقاتل من المقاتلين المدججين بالسلاح، يصدمها وحده، ويقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

كان الجيش الذي أمامه عشرة آلاف، وفر الصحابة جميعاً.

يذكرون ويقولون: عمر على شجاعته فر؛ لأنه رأى شيئاً لا يطاق، أصبحت السماء تلتهب بالنبل، ويقولون: أصبحت كالغمام حجبت شعاع الشمس، وفر الناس جميعاً، ووقف عليه الصلاة والسلام في موقف ضنكِ، ونزل عليه جبريل بقول الله: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} [النساء:٨٤] معنى الكلام: لا تفر، احذر أن تتأخر خطوة، معناه: إذا تأخرت سوف ينكسر الدين، وتسحق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].

شاعرهم دريد بن الصمة يمدح هذا الجيش البالغ تعداده عشرة آلاف، ويمدح الكتيبة التي تسمى كتيبة القلب وكان فيها مالك بن عوف النصري، فيقول:

فقلت لهم ظنوا بألفي مدججٍ سراتهم في الفارسي المسرد

يقول: هؤلاء الألف كلهم كالفارس المسرد؛ يعني: في الحلق الحديد، الدرع من أذنه إلى كعبه، لا يمكن أن يخترقه شيء، ووقف صلى الله عليه وسلم أمام الكتيبة فأخذ حفنة من التراب، ورماها في وجوههم وقال: شاهت الوجوه، ثم أخذ السيف وسله، فدمغ الكتيبة.

هذا هو الذي يحلب الشياه عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>