للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخوف من الله هو الحق]

الجبناء يخافون من البشر أكثر مما يخافون رب البشر، وأنا أقولها كلمة صادقة لا أكذب فيها بإذن الله: والله العظيم لو أن كثيراً من الناس خافوا من الله كما يخافون من البشر لصلحت أمورهم في الدنيا والآخرة.

ووالله إنا نعلم من أنفسنا ومن كثير من الناس أننا قد نغتاب أو ننم أو نعصي الله، ولكن عند الناس نراعي ألفاظنا ونراعي كتبنا ومحاضراتنا، كل هذا خشية من لفت النظر، أفلا خشينا من لفت نظر الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، الذي يعلم السر وأخفى، والذي كل الأمور بيده، والذي لا ينفع ولا يضر أحد إلا بإذنه!

وكيف لو أن هذه التقوى والمراعاة والحرص والتأني كانت في جانب العبادة؟ وكيف لو أن هذا الهدوء والانضباط والتعقل والحكمة كانت في جانب الدين؟ كيف لو أن هذا الرشد والنضوج العقلي كان مع الله عز وجل؟ لصلحت الأمور، وارتاح الناس في دنياهم وأخراهم، وكفل الله لهم النصر ما داموا على قيد الحياة والأجر والمثوبة من عنده سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

قال علي بن أبي طالب -وهي كلمة متينة نفيسة عظيمة -: [[الأجل درع حصينة]] يعني: أجلك درع لك، فلن تموت إلا بأجل.

خرج يوم صفين فخلع الدرع، قال ابنه: كيف تخلع الدرع يا أبتاه وهو يقيك، قال:

أي يومي من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر

يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجو الحذر

سبحان الله! يقول: لماذا أخاف من القدر؟

إن كان كتب الله عليَّ الموت فسوف أموت، ولا تغني الدروع {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:٧٨] وإن كان الله كتب لي الحياة فلن يصلني موت، وهذه عقيدة علي بن أبي طالب الذي قدم رأسه في كل معركة، ثم قتل في المسجد رضي الله عنه.

خالد بن الوليد يطلب الموت والشهادة في كل مكان، وكلما حضر معركة سأل الله الشهادة، وقد خاض في الجاهلية والإسلام مائة معركة، كان قائدها ومؤججها وأستاذها.

تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها

وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها

ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها

وللعلم فإنه مات على الفراش، لأن الله كتب له أنه يموت على الفراش، وقال: [[لقد طلبت الشهادة في أكثر من مائة معركة، وما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وهأنذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء]] رضي الله عن خالد، أخرجوه في الجنازة من حمص، فقامت أخته فاطمة من داخل البيت وجنازته يمر بها الأبطال على رءوسهم، فتقول:

أنت خير من ألف ألف من القوم إذا ما كبت وجوه الرجال

ومهين النفس العزيزة للذكر إذا ما التفت صدور العوالي

<<  <  ج:
ص:  >  >>