للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم المجاز والتأويل وحقيقة الصوفية]

السؤال

ذكرت في كلامك ما أتى من الكتاب والسنة في فضل أهل الحديث، وأنه ما جاء من غير الكتاب والسنة فضعها في الحش، وقوله تعالى في اليهود: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء:٤٦] فضيلة الشيخ: نريد أن نعرف رأيك في المجاز والتأويل في القرآن، ما قولكم فيمن يستدل بهذه الأشياء، و (٩٧%) من المفسرين يستعملونه.

السؤال الثاني: هل الصوفية في وقتها الحاضر من أهل السنة والجماعة، نرجو التوضيح، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب

أولاً مقصود كلمة الأوزاعي: ما أتاك من غير الكتاب والسنة فضعها في الحش؛ أي: مما خالف الكتاب والسنة، وصح عن الإمام مالك أنه يقول: كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام.

وأما مسألة المجاز، وما أدراك ما المجاز؟! فهي مسألة خلافية، لكن كثيراً من أهل السنة يرون ألا مجاز في القرآن والسنة، بل إن ابن تيمية يرى ألا مجاز لا في الكتاب ولا في السنة ولا في لغة العرب، ومعه ابن القيم، ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد الأمين الشنقيطي وله رسالة في ذلك، وهناك بعض أهل السنة قالوا بالمجاز، ولو أن هذا قولٌ ضعيف، ومقصود من نفى المجاز ألا يترك للمبتدعة طريق؛ لأن مدخل المعتزلة والأشاعرة في الأسماء والصفات أن جعلوه من باب المجاز، فمثلاً يقول: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:٢٢] قال: جاء أمر ربك، و {يضحك ربنا} قال: ثوابه أو رضاه.

فقلنا لهم: لماذا؟ قالوا: أنتم تستخدمون المجاز، قلنا: مثل ماذا؟ قالوا: جاء الأمير؛ يعني: جاء أمر الأمير، رأيت الأسد؛ يعني: رأيت رجلاً، يقول الله عزوجل في القرآن: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف:٨٢] هل القرية تتكلم؟ قلنا: لا.

قالوا: كيف يقول: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:٨٢] أي: اسأل أهل القرية.

إلى غير ذلك من الأمور، لكن ابن تيمية يقول: إن الأصل هي لغة العرب هكذا {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف:٨٢] {جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف:٧٧] فالعرب تستخدم هذا الأسلوب, وليس من باب المجاز.

أما الأسماء والصفات فإنها تجري على ظاهرها، ولا تكيف، ولا تؤول، ونلزمهم في الصفات التي نفوها بالتي أقروا بها وأثبوتها، مثل صفة الضحك ينفونها، نقول: لماذا؟ قالوا: لأن الضحك من صفات المخلوق، فلو أثبتنا ضحكاً للخالق لشابه المخلوق، قلنا لهم: العلم، قالوا: لا العلم أمرٌ آخر، قلنا كيف يكون أمرٌ آخر؟ قالوا: لله علمٌ يليق بجلاله لا يشابه علم المخلوق، قلنا لهم: قولوا كذلك له ضحكٌ يليق بجلاله لا يشابه ضحك المخلوق {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:٨٥] وهذه إلزامات باللغة العربية.

وقضية التأويل والمجاز أمرٌ يطول وليس من المصلحة نشره بين الناس، يقول علي رضي الله عنه وأرضاه: [[حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذب الله ورسوله]] ويقول ابن مسعود: [[إنك لست محدثاً قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان على بعضهم فتنة]].

أما الصوفية هل هم من أهل السنة والجماعة؟ فأقول الصوفية درجات، حتى من يتكلم لا بد أن يتكلم بعدل ويفصل، لأن إلقاء الحكم مجملاً عاماً على الناس لا يصلح:

أما إن كانوا لم يبلغوا الضلالات في المعتقد؛ كأن يكون عندهم اجتماعات أو يأتون بطقوس ومراسيم وهيئات ما أتت بها السنن، فنقول: هؤلاء مبتدعة وليسوا من أهل السنة، لكنهم في منزلة المبتدعة.

وثم أناسٌ بلغوا إلى درجة تقديس المشايخ، وعبادتهم، ورفع الحاجات إليهم فهم مبتدعة من البدع المغلظة التي تدخلهم في الشرك.

ثم مبتدعة من درجة أخرى؛ وهم ملاحدةٌ زنادقة، وهم الذين قالوا بالحلول والاتحاد، ومنهم أناسٌ وجدوا في هذا العصر، يقول أحد مشايخهم من الأولين: ما في الجبة إلا الله -جلَّ الله عما يقول- ويقول: الله في كل مكان حالٌّ معنا، حتى جعلوا أنه يحل سبحانه وتعالى في الكلاب والخنازير جل الله سبحانه وتعالى، ولذلك لما رد عليهم ابن تيمية قال: فإن كان صح عن بعضهم ما يقال, فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

ولسنا بحاجة إلى هذا اللفظ، ولسنا بحاجة إلى أن يكون هناك فرقة متصوفة خرافية؛ لأن الله أغنانا بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وبكتاب ربنا، لأن التصوف الآن على ثلاثة أضرب:

تصوف في المعتقد، وتصوف في الأعمال، وتصوف في الأقوال، وقد يجمعه بعض الناس ليكون ظلمات بعضها فوق بعض.

فأنا أقول: يا أيها الإخوة! علينا أن نبصرهم بالتي هي أحسن، وأن نعلمهم بالسنة، وإذا نسبوا لنا عن شيخ عن شيخ عن شيخ نأتي بـ البخاري عن فلان عن فلان عن محمد عن جبريل عن رب العالمين فهذه أسانيدنا وهذه أسانيدهم.

أما أسانيدنا فكالنجوم في الليل، وأما أسانيدهم فكخيوط العنكبوت لا يتعلقون منها بشيء فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>