للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سؤاله للعالم]

قتله ثم خرج والتفت إلى الناس، بالأمس قتل تسعة وتسعين واليوم قتل مائة، فقال للناس: هل لي من توبة؟ قالوا: ندلك على فلان بن فلان عالم من العلماء، ليس راهباً، لكن عالم فقيه مصداق، كلامه نهل من وحي السماء، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:٩] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١] {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:٤٩] {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} [آل عمران:١٨] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:١١٤] {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ} [القصص:٨٠] فهو فقيه متبصر عبد الله على بصيرة.

وبالمناسبة يا أيها الناس! إن من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود -كما يقول ابن تيمية - ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى، يقول الله في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة:١٣] وقال في النصارى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:٢٧] إذا أخذت شهادة ومستوىً علمياً ثم لم تظهر آثار العلم عليك، فكأنك من بني إسرائيل، وإذا انزويت في كهف تعبد وتصلي وتصوم وما تعلمت وما تفقهت، فكأنك من النصارى.

فديننا علم وعمل، فقه وإرادة، تقنين واستقراء، تجربة وأخلاق، تعامل وشورى، دين وسع كل شيء، ولذلك دل على العالم، فأتى إلى العالم وهو في حلقة التدريس يربي الأجيال، ويرفع الأرواح، وينمي الأنفس، ويفقه في دين الله.

ما بنى جملة من اللفظ إلا وابتنى اللفظ أمةً من عفاء

والعلم:

هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من أردتا

وكنزٌ لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا

يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا

فطرق عليه بابه، فخرج وهش وبش في وجهه -وهذه عادة أطباء القلوب الدعاة إلى الله- تبسم وأجلسه بجانبه، وعانقه وحياه وقال: ما عندك؟ قال: أنا أذنبت، قتلت مائة نفس معصومة، فهل لي من توبة؟ قال: نعم.

لك توبة، ومن يغلق عليك باب التوبة؟ باب الله لك مفتوح، أبشر بالمغفرة، أبشر بالسعود، أبشر بالتوبة النصوح، سوف يرضى الله عليك إذا تبت، فحيهلاً بك، فقال: أتوب إلى الله وأستغفر الله، قال: أسأل الله أن يتوب عليك.

وانظر إلى حل هذه المشكلة والعقدة، ثم قال له العالم: إنك كنت تقيم في قرية سوء، إنها قرية ظالم أهلها -وبعض القرى والمدن، وبعض الأحياء والحارات والقبائل تعينك على المعصية والجريمة، لا يعينونك على الطاعة، فيحملونك على الغيبة، وعلى شهادة الزور، وعلى القتل، وعلى الزنا؛ لأن هذه البقعة خبيث منتداها، خبيث قوامتها، خبيثة مصداقيتها وعطاؤها- قال: قريتك ظالم أهلها، فاخرج إلى قرية صالحة هي تلك القرية، فأخذ جهازه وتطهر بماء التوبة، وخلع ثيابه الملطخة بالدماء، ووضع سيفه، وأخذ عصاه، وأخذ يستغفر الله ويتوب إلى الله، وأقبل على الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>