للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التخلص من قرناء السوء]

السؤال

ما هي الطريقة المتبعة لمفارقة جلساء السوء رغم كثرتهم واستهزائهم بمن يرونه محافظاً على الوقت وعدم تضييعه؟

الجواب

أما الاستهزاء؛ فليستهزئ من يستهزئ، فهذا كطنين الذباب لا يأبه به الأخيار، فما تضر أبداً، ولو سلم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أحداً من الاستهزاء لسلم أنبياءه، فقد صح أن موسى عليه السلام لقي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في مكالمة بين موسى وبين رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فقال الله عز وجل: يا موسى! أتريد شيئاً؟ قال: أريد يا رب أن تكف عني ألسنة الناس، فإنهم يتكلمون في عرضي، قال: يا موسى! ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أرزقهم وأشافيهم وأعافيهم، ويقولون: إن لي ولداً، وإن لي صاحبة وأنا الله لا إله إلا أنا ما اتخذت ولداً ولا صاحبة}.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة: {قال الله عز وجل: يسبني ابن آدم، ويشتمني ابن آدم، وما كان له أن يسبني ويشتمني؛ أما سبه إياي، فيقول: إن لي ولداً وصاحبة، وأنا الله لا إله إلا أنا ما اتخذت ولداً ولا صاحبة، وأما شتمه إياي: فيشتم الدهر، وأنا الدهر أقلب الليل والنهار كيف أشاء}.

فهذا في جانب رب العزة تبارك وتعالى، كيف ما سلم من عباده الذين خلقهم حقراء من التراب الذي يوطأ بالأقدام، يخرج كالحشرة، فإذا أبصر وسمع وأكل وشرب بدأ يتكلم في رب العزة تبارك وتعالى؛ يقترح عليه، ويعترض عليه في حكمه، ولذلك موسى عليه السلام كان إذا خلا بدءوا بألسنتهم يهتكون في عرضه، فإذا حضر سكتوا، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً} [الأحزاب:٦٩] فلا يزيدك هذا إلا رفعة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا عنه: ساحر، وشاعر، وكاهن، وسبوه، وهتكوا عرضه، ولكن رفع الله ذكره، وبرأه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

فاستهزاء من يستهزئ دليل على حقارته ومذلته ومهانته، وهو في الحضيض، فهو ينظر إليك وأنت في سمو ورفعة، ولا يزيدك إلا ثباتاً واستقامة فليفعل ما شاء، وما عليك ممن شرق أو غرب إذا كنت على الصراط المستقيم.

وهذا حتى عند الأمم الكافرة، يقولون: افعل ما هو صالح، ثم أدر ظهرك لكل جرح سخيف، أو كما قالوا.

أما جلساء السوء، فإذا استطعت أن تؤثر عليهم، فما عليك من الكلام ولو استهزءوا فادخل معهم، مؤثراً بكتاب أو بمقالة أو بمراسلة أو باتصال، لأن الوسائل جدت عند المسلمين، فاستخدم هذه الوسائل.

بعض الناس يستطيع أن يكلم زملاءه بالتليفون أحسن من أن يتكلم إذا حضر، لأنه إذا حضر عرق وضاع الكلام، ونسي الآيات والأحاديث والقصص.

وبعضهم إذا كتب رسالة كتب وحبرها كأنها من رسائل القاضي الفاضل، تصل إلى القلوب.

وبعض الزملاء لا يأتي به إلا الهدايا، فأرسل له شريطاً أو كتاباً، أو اهد له هدية، أو قدم له خدمة، أو ادعه إلى بيتك، هذا إذا أردت أن تؤثر فيهم.

أما إذا جربت نفسك معهم ففر بنفسك وما عليك، والله عز وجل لا يحشرك في زمرتهم، ولا يحشرهم في زمرتك، ولن تحشر في قبورهم، فلكل قبره، ولكل عمله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>